السبت 02 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أفاتار الميتافيرس

الإثنين 22/نوفمبر/2021 - 07:14 م

لا شك أننا أمام تحول دراماتيكي وخيال لا نهائي يفوق قدرات عقولنا وتصوراتنا، وباتت رواية الخيال العلمي لـ الكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون (تصادم الثلوج) التي كتبها عام 1992، وبطلها الذي بنى لنفسه عالما افتراضيا، حقيقة على الأرض بعد ثلاثين عاما، وكأنها فقط كانت مجرد خطط حقيقية صيغت وقدمت في شكلها الروائي لا أكثر، مثل الكثير من السوابق التاريخية، ورغم أهمية هذا الطرح ولكن ما يشغلنا فعليا الإجابة على تساؤلات أكثر أهمية عن الميتافيرس وكيف سيصبح واقعنا بعد الميتافيرس، وتأثيراته غير المحدودة وغير المقدرة على جميع المستويات وأهمها بالطبع مستوى خصوصيتنا وسلامنا النفسي.

ولكي ندرك ما كان زوكربرج ورفاقه يخططون له، فلا بد للعودة قليلا إلى تاريخ استحواذات شركة فيسبوك منذ العام 2007 ونوعيتها حتى الآن، فقد قامت الشركة بأكثر من 80 عملية استحواذ على شركات تكنولوجيا أنفقت فيها مليارات الدولارات، وتأتي أهميتها ودلالتها في تخصصات تلك الشركات ومجال عملها وبالطبع يأتي على رأسها (الواتس آب) المتخصص في تبادل الملفات والصوروالفيديوعبر المحادثات الشخصية والجماعية، وشركة (أوكيولاس) المنتجة لنظارات الواقع الافتراضي، و(انستجرام) المنصة الأشهر بين الشباب للصور ومقاطع الفيديو الصغيرة، وشركة (لايف ريل) المتخصصة في إعلانات الفيديو، وشركة (أونافو) الإسرائيلية لتحليل وضغط البيانات، وشركة (فيس) المتخصصة في برمجيات التعرف على الوجوه، وشركة (ريد كيكس) المتخصصة في تطبيقات الأعمال للشركات لدمجها في منصة أعمال الفيسبوك، وشركة (بيبلز انترفيس) التي توفر التفاعل ثلاثي الأبعاد.

إذن لم تأتي شركة (ميتا) التي ستضم المنصات الأشهر في العالم معا للوجود صدفة ونطاق وأبعاد عملها واضحة تماما من نوعية الشركات التي استحوذت عليها وتخصصاتها فهي عبارة عن تكنولوجيا كانت موجودة بالفعل، وبسط زوكربرج آلية عمل الميتافيرس أنها بيئة افتراضية وعالم من المجتمعات الافتراضية التي لا نهاية لها يمكنك الدخول إليها والتفاعل معها باستخدام نظارات الواقع الافتراضي وتطبيقات الهواتف الذكية، وستشمل نقلا كاملا لجميع عناصر حياتنا المادية الواقعية عبر تلك المجتمعات الافتراضية. 

وتعد الميتافيرس التطور الأهم في التواصل عبرالإنترنت بعد الواقع الافتراضي، فهي دمج بين وقع التواصل الذي كان افتراضيا وبين الحياة الواقعية ليخلق واقعا معززا جديدا تستطيع أن تحيا فيه حياتك الخاصة بواقعا افتراضيا جديدا من تصميمك الخاص يحمل توقعاتك وطموحك وتطلعاتك وآفاقك الشخصية، وتسمح لك بمشاركة أصدقائك ومحيط معارفك ولكن بشخصية جديدة من صنعك وإلهامك الخاص وهو (أفاتار) خاص بك، ويدعم ذلك جميع البرمجيات المطورة مضافًا إليها برمجيات خاصة طورت اختبارات المشاعر والحواس لتجعلك تستخدم الحواس المختلفة بشكل أقرب إلى الواقع فتمكنك من الشم والملمس وغيرها.

أفاتار الميتافيرس هو الدلالة الأهم، وأصل الكلمة واستخدامها يعود في اللغة الانجليزية للقرن الثامن عشر، وتشير إلى إله هندوسي متجسد في صورة بشرية أو في الشكل الأرضي للإله، وربما تشير دلالة استخدام المصطلح في التكنولوجيا والألعاب الرقمية ثم استخدامها في الفيسبوك ميتافيرس إلى فلسفة أنك إله نفسك وتصنع نفسك وتتحكم في نفسك، تبدأ واقعك الافتراضي الجديد بنفسك وتنيه بنفسك حيث لا قيود بشرية، بل التحررالتام بشكل لا نهائي من قيود الواقع الحقيقية لتنطلق في هذا العالم الافتراضي اللانهائي بخيال لا نهائي، وهي فلسفة اختيار كلمة (ميتا).

وعلى الرغم من الفوائد الجمة لتلك التطبيقات في خدمات الاتصال، التعليم، وكافة أفرع المعارف والعلوم، وقطاعات وبيئة الأعمال والتسويق والترويج، وغيرها من نقل وتبادل الخبرات تفاعليا في كافة المجالات، إلا أننا أمام تحدي هائل يجب النظر إليه بشكل ليس مجرد عن نوايا مالكي تلك التقنيات وأهدافهم في السيطرة على العالم، والتحكم في عقول مليارات من البشر المقدرة ب 2 مليار مستخدم نشط يوميا حسب تقديرات عام 2020، بالإضافة إلى التأثير في القناعات والرؤى وربما تشويه متعمد للتاريخ أحيانا، وإهدار المزيد من خصوصيتنا واختراق آلية ونمط وطريقة تفكيرنا وإلغاء العقول وبرمجتها متخفيين وراء المنافع التي تقدمها تلك التطبيقات، ناهيك عن التأثيرات النفسية والسيكولوجية على روادها ومستخدميها فلا شك أنها سترفع سقف التطلعات والطموح والإدراك الشخصي لشخص يعيش حياة افتراضية كاملة ثم ينتقل إلى الواقع الحقيقي ليتمرد عليه فكرًا وعملًا، وأخطر فئة يمكن تتأثر بتلك التقلبات الحادة هم الفئات العمرية الأقل سنا أو الأقل دخلا كما هو ثابت في الكثير من الدراسات العالمية.

والخلاصة أننا جميعا شعوبا وحكومات أمام تحدٍّ هائل لتحصين مجتمعاتنا وشبابنا لنجني من ثورة أفاتارالميتافيرس القادمة ثمارها، ونتجنب شوكها المسموم على جميع الأصعدة، ولن تحمينا الدعوات والصلوات من تأثيراتها السلبية إلا إذا اقترنت بخطط قومية حقيقية تحدد إجراءات ضرورية وملحة وحاسمة لآليات تجنب تلك الآثار.

تابع مواقعنا