موتيل المنصورة.. شيده الخديوي إسماعيل وأقامت به الملكة نازلي | صور
مبنى تراثي يطل على فرع النيل يتوسط مدينة المنصورة، يجذب أنظار من يمر أمامه، ذو أعمدة مميزة، وزخارف ترجع لمئات السنين، وجدرانه شاهده على قصص وروايات من عصور وأحداث مختلفة.
مؤخرًا أطلق على المبنى التاريخي اسم «موتيل المنصورة»، وذلك بعد ترميمه وتحويله إلى نزل صغير يضم 8 غرف، ومطعمًا وكافيتريا، مع الحفاظ على هويته التاريخية التي ستظل خالدة، ويتناقلها أبناء محافظة الدقهلية.
في عام 1866، اختار الخديوي إسماعيل موقعًا متميزًا على نيل المنصورة، لبناء مرسى للسفن الخديوية القادمة من القاهرة، وألحقه مع قصره الموجود بشارع المختلط بممر خاص، وأطلق عليه مرسى «مرسى الوالدة باشا»، ليرسما معًا لوحة فنية للعمارة الحديثة تتوسط عروس الدلتا.
على بعد أمتار قليلة من ديوان عام محافظة الدقهلية، يقع مرسى الخديوي إسماعيل، والذي بُني على طراز المعابد اليونانية ذو الأعمدة الكبيرة، ويعد واحدًا من أهم القصور التاريخية بالوجه البحري، وأحد رموز العمارة الحديثة.
وبحسب الباحث الأثري سامح الزهار، فإن المرسى أنشئ ليكون استراحة للسفن الخديوية القادمة من القاهرة للمنصورة عبر نهر النيل، وذلك قبل إنشاء منطقة المشاية السفلية، لكن جماله المعماري المميز، جعل الملكة نازلي والملك فاروق استخدامه استراحة خاصة لهما، أثناء زيارتهما لمدينة المنصورة، وذلك قبل ثورة 23 يوليو 1952.
جاءت الثورة وغيرت المبنى، من استراحة ملكية إلى مكتبة ثقافية تخدم أبناء محافظة الدقهلية، وأطلق عليها «المكتبة الفاروقية»، لكنه ظل محتفظًا بهُويته المعمارية المميزة لسنوات طوال.
يقول الزهار، إن القصر تحول بعد فترة لمقر لحزب مصر العربي الاشتراكي، والذي وضع لبنته الأولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم استولى الحزب الوطني المنحل على نصفه، وظل النصف الآخر تابعًا للمكتبة الفاروقية.
وإبان ثورة 25 يناير، أضرم بعض الغاضبين النيران في المبنى، احتجاجًا على سياسات الحزب، ما تسبب في احتراقه بالكامل، والتهم الحريق المكتبة التي كانت تحوي كتب نادرة، وتمكنت إحدى الأسر من إنقاذ آلاف الكتب والمخطوطات، واحتفظت بهذا الكنز الثمين قرابة 8 سنوات، حتى تم تسليمها لمحافظة الدقهلية بلجنة رسمية.
الإهمال ظل محاصرًا للمبنى الأثري، وسط مطالبات من المهتمين بالآثار بتحويله لمتحف يحكي السيرة الذاتية لأعلام محافظة الدقهلية، واستجاب وقتها الدكتور محسن حفظي، المحافظ الأسبق، وأصدر القرار رقم 221 لسنة 2011، بتحويل المرسى لمتحف لأعلام الدقهلية، لكنه ظل حبرًا على ورق لمدة 7 سنوات.
ومع تعاقب المحافظين حاول كل منهم الاستجابة لمطلب أهالي الدقهلية، لكنها لم تكن سوى اقتراحات ومناقشات شفهية، حتى وضعت اللبنة الأولى في التغيير على يد الدكتور كمال شاروبيم، المحافظ السابق، في نوفمبر عام 2018، والذي بدأ خطوات تحويله لمتحفًا للمشاهير، مع الاحتفاظ بالنسق المعماري وتراثه وتاريخه.
وبدأت لجنة مختصة إجراءات الرفع والمقايسات اللازمة، وعرضه على أساتذة كلية الهندسة وتحديد حالته ووسائل ترميمه، وإجراء الاختبارات اللازمة له حسب المواصفات الفنية التي تناسبه، باعتباره من المنشآت المميزة.
وأثار هذا القرار فرحة كبيرة بين أهالي الدقهلية، فأخيرًا وبعد سنوات سيتحول الحلم لحقيقة، وستمتلك المحافظة العريقة متحفًا يضم السيرة الذاتية لأبنائها الذين أثروا الحياة في مختلف الجوانب، لكنه سرعان ما انتهى برحيل شاروبيم، ليقرر الدكتور أيمن مختار، المحافظ الحالي، الاستفادة من الأصول غير المستغلة، وتحويل المبنى لموتيل يقدم خدمات فندقية لجميع المواطنين.
وفي نوفمبر العام الماضي، بدأت إجراءات إعادة ترميم المبنى ليكون أول موتيل بالمحافظة، القرار الذي أغضب قطاع كبير من الأثريين والمهتمين بالتراث، وتم رفع دعوى قضائية للمطالبة بالحفاظ على المبنى ذات الطابع الأثري بهيئته.
أكمل محافظ الدقهلية مشروعه، وتم الانتهاء من ترميم المبنى مع الحفاظ على هُويته الأثرية والتاريخية، وافتتح في بداية نوفمبر الجاري، ومن المقرر طرحه للإدارة على إحدى الشركات الخاصة، خلال الفترة المقبلة، ليبدأ تشغيله رسميًا، بعائد مادي يخصص لتعزيز موارد المحافظة.