رحلة إلى شوارع أفغانستان «عدَّاء الطائرة الورقية» للكاتب خالد الحسيني
تُعدّ رواية: "عدَّاء الطائرة الورقية" أول أعمال الكاتب: "خالد حسيني"، وهو كاتب وطبيب أفغاني أمريكي، ولد في 4 مارس 1965 في كابل في أفغانستان، ثم انتقل للعيش في إيران؛ حيث كان يعمل والده في السلك الدبلوماسي؛ مما ساعده على تحري الدقة أثناء الكتابة، وقد ظهر ذلك خلال أحداث الرواية؛ لأنه لم ينحز لأي فئة عرقية ولا دينية بل، كتب بروحٍ متجردة.
وتعد رواية عداء الطائرة المولود الأول له، فلنبدأ بتعريف هذا العمل بصورةٍ أخرى، من وجهة نظري هي من الأعمال الكلاسيكية المتجددة في عالم الرواية؛ لأنها تعتمد على التصوير الدقيق، وعدم التركيز على شخصية بعينهِا، أيضًا لم يركز المؤلف على وضع الحالة التاريخية والاجتماعية أثناء عملية السرد لكلِّ شخصية من شخصيات الرواية.
كما اعتمد الكاتب بشكلٍ واضح على التشابك بين أحداث الرواية، فكلما ازداد التطور في الرواية، ازداد الترابط والدهشة بين ضفاف الكِتَاب، حتّى إن القارئ يشعر بأنه سافر إلى بلاد الأفغان، رحلة سفر بدون دفع أي رسوم، هذا يدل على عدم الانفصال الجذري بين الواقع والخيال؛ حيث يشعرنا بأننا نتأرجح بين منطقية التاريخ المصور خلال الرواية، واللا منطقي التراكيب الخاصة بالبناء السردي؛ لأننا سنرى الشخصيات التي ظهرت في بداية العمل، هي نفسها الشخصيات التي تنتهي بها الأحداث؛ مما يجعلنا في حالة من التشويق المستمر. يعتمد عنصر التشويق أيضًا على براعة المؤلف في صياغته للبنية الزمنية للحكاية؛ حيث يتغلغل الفلاش باك أو كما نسميه "الاسترجاع" في جميع الفصول؛ حيث يتصل "رحيم خان" ببطل الرواية
"أمير" ليعود لوطنه؛ حيث السر العظيم - لم يعتمد المؤلف على فكرة البطل الأوحد- في لحظة الزمن الحاضر، فيضع "أمير" السماعة ليعود إلى الماضي البعيد حيث حكايته مع "حسن" الشخصية الموجبة المقابلة لشخصية "أمير" السالبة،
ومنها إلى الأحداث التى غيرت التاريخ كله في بلد الأفعان؛ حيث تحولت من إمبراطورية ملكية إلى جمهورية بعد الانقلاب على "الظاهر شاه"، الملك الذي شهد عصره أكبر وأقوى تطور تعليمي واقتصادي ورخاء في أسيا الوسطى، كانت نهاية حكمه عام 1973 عندما سافر إلى إيطاليا لإجراء عملية في عينه، وحينها نظم ابن عمه رئيس الوزراء السابق "محمد دواد خان" انقلابًا ضده، وشكل حكمًا جمهوريًا، ويذكر الكاتب أن الشعب رغم الانقلاب لم يشعر بأي تغير؛ حيث تغيرت الوجوه فقط والهدف السلطة .
أمّا عما كنتُ اقصده عن عدم التحيز أثناء الكتابة؛ لأن الكاتب شيعي، ورغم ذلك كتب عن السنة والتناغم بينهم وبين الشيعة وبالأخص الهزارة، ظهر ذلك خلال عرضه لحياة "حسن وأمير" الأصدقاء الأقرب لبعضهما بعضا، وجملة "حسن لأمير" رغم مواقفه المُخزية ضدّه ليردد قائلًا: "لأجلك ألف مرة ومرة"، الجملة التي كانت محور الرواية ورمزيتها، هي تقبل الاختلاف الديني والعرقي. كما أوضح المعاملة التي كان يتعرض لها الهزارة، وحرب الإبادة التي أصبحت إحدى أنواع الحروب الحديثة، والدليل مذبحة:"مزار شريف"، التي تعرض لها جميع الهزارة على يدّ طالبان، الذين يظنون أنهم يطبقون شرع الله على الأرض، لكن الله بريء مما يفعلون.
وجاء الحوار التالي بين "أمير" وشيخ طالبان، الذي هو نفسه صديقه المهوس جنسيًا بالرجال والنساء، قائلًا:"لن تعرف معنى كلمة "تحرير" حتى تفعل ذلك، تقف في غرفة مليئة بالأهداف، وتدع الرصاصات تطير،من دون إحساس بالندم أو الحسرة، مدركًا أنك فاضلٌ صالحٌ محترمٌ، مدركًا أنك تقوم بعمل الله. إنه أمرٌ يحبس الأنفاس..."(شيخ الطالبان:آصف).
والواضح أيضًا أن "الحسيني" كان متمكنًا في الرسائل الإبلاغية، التي يرسلها ويضمنها خلال المشاهد؛ حيث يبرز قيمة أخلاقية وحكمة سياسية أو دنيوية؛ وهي كالتالي:
1 " كما يقول الشاعر: كم يبدو الحب صافيًا، ثم يقع البلاء".
2- " الصبي الذي لا يدافع عن نفسه يصبح رجلًا لا يستطيع الدفاع عن أي شيء...".
3- " أن تملك ثم تفقد أكثر إيلامًا من ألا تمتلك أصلًا...".
4- "...لكنني كنت رجلًا، وكل ما أجازف به هو جرح في كبريائي. الجروح تشفى، لكن السمعة لا تشفى".
إن رواية: "عداء الطائرة" لم تعرض قصة وقضايا سياسية فقط، لكنها نقلت ثقافة شعب بعاداته وتقاليده، مثل: "ننج /ناموس: أي صاحب شرف وعزة"، وعن احترام الكبير " كاكا: عم "،و"خواستيجار:المتقدم للعروسة"،و"مجرد: أعزب".نُقلت المعاني كما هي، مع ذلك لم يتغير المعنى، كل الجهد المبذول أخرجه لنّا المُترجم، ونقل لنا مجموعة من المعاني والقصص المتعددة داخل الرواية، بنفس معناها المقصود في ثقافة الشعب الأفغاني وحضارتهم وتاريخهم بكلِّ حرية، لكنها حرية مقيدة داخل النص، إبان عمله هو صوغ الأفكار في كلمات موجَّهة إلى قارئ.والفارق بينه وبين الكاتب الأصيل هو أن الأفكار التي يصوغها ليست أفكاره، بل أفكار سواه، هناك أيضًا تعريف خاص لمهنة "المُترجم"، وهو تعريف مشهور للدكتور:"محمد عناني" في كتابه:"فن الترجمة"،وهو أن "...المترجم كاتب" (كتاب فن الترجمة، محمد عناني، ط11، ص5).
هذا التعريف يدل على أن المترجم:"إيهاب عبدالحميد" بذل جهدًا كبيرًا في نقل ثقافة الشعب الأفغاني، أيًضاكان دقيقًا في استخدم الألفاظ؛ مما يجعل القارئ يتذوق المتعة أثناء القراءة دون الشعور بأي كلل ولا ملل.
إن رواية مكونة من ٥٠٧ صفحة رحلة طويلة على نهر كابول في أفغانستان، قد تعرضت لأفكار تُختصر في مجموعة نقاط:
• الانقلاب على "ظاهر شاه" سلطان كابول، على يد "داوود" ابن عمه خيانة تنافس على الحكم .
•تحالف الأحزاب الشيوعية مع روسيا ضد الحاكم.
•دخول الطالبان أراضي الأفغان وتدميرها.
•تفجير برج التجارة العالمي على يد طالبان.
• الطبقية واضطهاد الأقلية (الهزارة: مذبحة مزار الشريف)، كأن حرب الإبادة العرقية وسيلة مشروعة ومستمرة في كل زمان ومكان.
• قصة الوفاء والتضحية، ومعنى الصداقة.
• الخطيئة، والذنب، وإنكار النسب.
هي رواية لن تستطيع الفرار منها، كلما ابتعدت عنها عدت لأحضان أوراقها مرة أخرى، أهم نصائحها الإنسانية: "السرقة هي الخطيئة الوحيدة التي لا يمكن غفرانها. الخطيئة الأكبر بين كل الخطايا عندما تقتل رجلا، فأنت تسرق حياة، تسرق حق الزوجة بزوجه، تسرق أباً من أولاده. عندما تسرق حق شخص في الحقيقة، عندما تغش تسرق حق العدالة، ليس هناك شر كالسرقة."كما أوضحت فيما سبق أن أهم من فكرة الرواية الرسالة الإنسانية التي تُقدمها للقارئ وللمجتمع وللعالم، أظن أنها أرقى الرسائل التي يقدمها الإبداع الأدبي.