المخدرات الإلكترونية
لطالما كان أخطر ما تواجهه المجتمعات على مر تاريخها، ما يتسرب في الخفاء من سموم إلى ضميرها وأفرداها، تلك السموم التي تتلون كالحرباء، لتقتنص فريستها من الشباب اليانع الذين هم أساس كل أمة وعامل نهضتها الأهم وعماد حياتها، وتضاعف الخطر بشكل مرعب في العقود الأخيرة مع موجة العولمة التي اكتسحت العالم وجعلته قرية صغيرة، وأصبحت التقنية مجالا يجذب الجميع وخاصة الشباب الذين يجدون أنفسهم في عوالم افتراضية يتواصلون فيها مع ثقافات وأفكار بعيدة ومختلفة، فصار الشاب قريبا من مجتمع افتراضي بعيد، بعيدا عن مجتمعه الذي يعيش فيه، فسهل التأثير عليه، واستيقظنا ذات يوم لنجد أفكارًا غريبة ومدمرة تكتسح مجتمعاتنا، ألعاب إلكترونية تجذب الشباب وتجند عقولهم حتى تدفعهم لفعل ما هو غير معقول بالمرة، وشهدنا كيف دفعت لعبة الحوت الأزرق العديد من الشباب إلى الانتحار، وما يترتب على إدمان تلك المنصات الافتراضية من آثار سلبية خطيرة.
ومن تلك السموم الخطيرة التي تتسرب في ضمير مجتمعاتنا مستغلة ما خلقته التقنية من ثغرات فيه المخدرات الإلكترونية وهي مقاطع موسيقية ذات ترددات صوتية غير مماثلة يقوم الدماغ لدى الاستماع إليها بدمج إشارتين مختلفتي التردد، ثم بإنتاج موجة تردد ثالثة تحدث تغييرات في نشاط الموجات الدماغية، فتؤدي إلى حالة من الاسترخاء، لكن مع الوقت تسبب تشنجات وتؤثر على وظائف الجسد والحالة النفسية، وقد اعتمد مروجو هذه الأغاني على حقيقة اندماج الشباب وخصوصا في مرحلة المراهقة وبحث الشباب الدائم عن وسائل الترفيه وإثبات الذات من خلال البحث عن الأغاني والنغمات المختلفة على كل المواقع في ظل التطور التكنولوجي الذى يشهده العالم الآن.
والمشكلة الأكبر هنا أنه لا توجد رقابة فعلية على المنصات التي تقدم هذا النوع من الموسيقى، وبالتالي يزداد انتشارها يوما بعد يوم وتوقع تحت رحمتها المزيد من الضحايا.
والعلماء يقرون بتزايد حالات تعاطي الشباب لهذا النوع من المخدرات وأنها قد تكون سببا رئيسا لإدمان المخدرات الطبيعية وقد تسبب الاكتئاب وضعف الذاكرة، كما تسبب هذه الأنواع من الملفات الصوتية الشرود الذهني وانخفاض التركيز ومع تكرار الاستماع إليها قد تسبب نوبات تشنج وتأثيرا سيئا على المستمع لحاجته الدائمة إليها.
ونحن هنا ننبه لخطورة هذا النوع من المخدرات والذي يمر خلال علاقة الشباب بعوالم التقنية وشغفهم بتجربة كل ما هو جديد، فلا بد أن ننتبه جميعا، وأن يقوم الأهل بدورهم في التقارب مع أولادهم والإحاطة بما يسمعونه ويشاهدونه، وتقويم تجربتهم في عوالم التواصل التقني، وأن تقوم المؤسسات المعنية بدورها في الرقابة على تلك المنصات وحجب كل ما يمكن أن يكون ضار وذات خطورة واضحة.
لا بد من التنبه في جميع الأحوال إلى مناسبة ما يتلقاه أبناؤنا من مواد سمعية وبصرية وأفكار قد تلحق الضرر بهم وبالمجتمع، وأن نبني جسور ثقة معهم لنستطيع حمايتهم من أي سموم تروج تحت أي صورة أو دافع.