دراما حياة جيل التسعينات
"جيلنا هذا السائر على حد السكين، هو الضحية أم الأمل القادم؟".
هذا السؤال الوجودي الذي طرحه بطل رواية "شموس الغجر" للروائي السوري حيدر حيدر، يتردد دائمًا صداه في رأسي، وأنا أفكر في مصير جيل التسعينات في مصر الذي انتمي إليه، وأجده أكثر الأجيال درامية في تاريخ بلدنا، بعد جيل الستينات الذي عاش هزيمة الحلم الوطني والقومي بعد نكسة يونيو 1967.
فجيل التسعينات الذي ولد في منتصف سبعينات القرن الماضي، لم يعش مجد حركة التحرر والاستقلال الوطني، ولا حلم تأسيس الدولة الوطنية، ومشروع الوحدة العربية في خمسينات وستينات القرن الماضي.
بل كتب عليه أن يُشاهد إعلان موت الحلم العربي بعد غزو العراق للكويت في أوائل تسعينات القرن الماضي، وبعد حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وتمزيق وحدته وتبديد ثرواته ومقُدراته.
كما كُتب عليه أن يكون شاهدًا بعد ذلك على فشل مشاريع بناء الدولة الوطنية العربية المدنية الحديثة، بعد حركة التحرر الوطني في خمسينات القرن الماضي، وتحول معظم الدول العربية إلى دول رخوة أو فاشلة عاجزة عن تحقيق طموحات شعوبها في استقلال الإرادة الوطنية، والعدالة والحرية والحياة الكريمة.
ثم كُتب على جيلنا أن يُشاهد صعود تيارات الإسلام السياسي والحركات الدينية الأصولية في العالم العربي منذ سبيعينات القرن الماضي، وغزوها للمجتمعات العربية، وخصوصًا في مصر.
وأن يعيش تهديدات ومخاطر طوفان الثورات التي اجتاحت المنطقة العربية، خاصة في تونس ومصر وسوريا وليببا واليمن، والعراق والجزائر، منذ عام 2011. وهي الثورات التي ركبها في الأغلب الأعم الإسلاميون، وأدت إلى حروب أهلية وتمزيق وحدة واستقرار بعض الدولة العربية.
أما في مصر، فقد كان قدر جيلنا أن يعيش أفضل سنوات عمره وأكثرها فتوة وقدرة على الحلم والعطاء والفعل، في أخر 10 سنوات من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي أسوأ فترات الحكم في تاريخ مصر الحديثة والمعاصرة، وأكثرها فقرًا في الفكر والخيال والرؤية، وأكثرها ركودًا وفسادًا وتدهوراً وتراجعًا على جميع الأصعدة.
ثم عشنا بعد ذلك عشر سنوات أخرى، حضرنا فيهم ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وشهدنا رحيل الرئيس مبارك عن الحكم، وصعود حكم الإخوان وسقوطه، وصعود نجم وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي، ووصوله إلى مقعد الرئاسة في مصر.
وقد انتعشت أحلامنا الشخصية والوطنية، مع بداية حكم الرئيس السيسي، ودعمنا جهوده الضخمة لإعادة بناء اقتصاد ومؤسسات الدولة، وتوفير الأمن ومحاربة الإرهاب الذي انفتحت أبوابه علينا بعد إسقاطنا لحكم الإخوان، وتحملنا في سبيل ذلك أعباء اقتصادية واجتماعية ضخمة.
واليوم يمكن القول إن جيلنا قد عاش تجربة شخصية ووطنية عريضة ودرامية تستحق أن تُروى؛ خاصة بعد أن اكتشفنا أننا أصبحنا رغم نضجنا وتراكم تجارابنا وخبراتنا ومعارفنا الإنسانية والحياتية والسياسية، جيلًا غير مرئي، بسبب توجه الدولة الجديدة لتمكين الشباب، الذين خرجنا بشكل مفاجئ وعبثي من تصنيفهم العمري، بعد أن سُرقت أعمارنا في العقود الماضية بالعيش في جغرافيا مادية ومعنوية معوقة وخانقة للمواهب والإمكانات والأحلام.
وهذا ما يجعلنا نُردد مع بطل رواية "شموس الغجر" سؤاله الوجودي الذي لا زلنا نبحث له عن إجابة، وهو السؤال الذي يقول: "جيلنا هذا السائر على حد السكين، هو الضحية أم الأمل القادم؟".