صمت التاريخ - القذافي ليبيا
دائما يذهب الحكام وتبقى الشعوب، فالتاريخ وجد ليكون فيه العبرة والعظة، ولكن الحكام رفضوا أن يستفيدوا من دروس التاريخ، سوى ما يحقق مطامعهم، فهم غالبًا بدايتهم صالحة طموحة لشعوبهم، وبمجرد استقرارهم على مقاعدهم الوثيرة، ينقلبون على كل وعودهم ويتحولون إلى طغاة لحماية الكرسي وليس الشعب.
ليبيا بلد 700 ألف شهيد و500 معركة ضد المحتل الإيطالي، الذي استطاع بتضحياته أن ينال حريته عام 1951، وحكم ليبيا الملك محمد إدريس السنوسي حتى كانت حركة الفاتح من سبتمبر 1969، وتم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبدلا من أن تسير ليبيا إلى المستقبل رجعت للأسف إلى الوراء، وقبع القذافي على صدور شعبه، أكثر من أربعين عامًا، حتى تمت إزاحته في ثورات الربيع العربي.
فالقذافي رأى في نفسه ملك ملوك إفريقيا ومرة أمير المؤمنين ومرة زعيم الصوفية العالمية، وكان المفكر والخطيب والفيلسوف والإمام، وكان الجلاد والقاتل والإرهابي.
وكانت شعب ليبيا الغنية بالنفط والتي تغرق على بحر من البترول، فقيرًا يعيش في شبه دولة ليس فيها معالم ولا قانون ولا دستور ولا قضاء ولا حقوق، بلد فيه صحارى واسعة وسواحل طويلة على البحر المتوسط، وقرى تغطيها الثلوج لم يستفد الشعب من كل مقومات ليبيا الطبيعية، ولا بكنوزها التى حباها الله بها، وأصبح كل شيء يدور في فلك القذافي، وفقط هو الدولة والقانون والدستور حتى انتفض الشعب من غفوته الطويلة، وتخلص من قيوده وأعلن راية العصيان على الديكتاتور الذي مارس ضدهم كل أنواع القمع والقتل والتجريف والتخويف.
هو من وعدهم بتقسيم عوائد النفط، فنخس وعده وتركهم متسولين، هو من قبض وصادر رجال الأعمال بدعوى لجنة التطهير، هو من لبس لباس عبد الناصر، وناصر منه بريء، هو من أصدر قانونا بإعدام كل من تسول له نفسه الوقوف في طريق سلطته وحرم الأحزاب وأعدم من يشكل حزبا، هو من ردع الطلاب وقت أن أعدم طالبًا في كلية الهندسة وآخر في كلية الزراعة في ساحة كليتهما وأمام أعين طلابها.
هو من أطلق النار على جمهور كرة القدم بعد أن رددوا هتافات سياسية، فقتل 50 من الشباب وهو من أعدم متمردي سجن أبو سليم وفتح عليهم نيران بنادقه بلا رحمة أو شفقة، هو من حرض دول حوض النيل ضد مصر وابتز الحكومة المصرية بورقة المصريين الذين يعملون في ليبيا.
حتى كانت نهايته بعد اثنين وأربعين عامًا من ثرثرة يتحدث فيها عن الثورة، والوطن والقومية والعروبة والحرية والاستقلال، وهو حديث للثرثرة.
فهل كانت تستحق ليبيا القذافي واليوم يترشح ابنه، من شرب من كأس أبيه ليحلم بعرش ليبيا مرة أخرى؟
أتمنى أن تظل اللجنة على موقفها وترفض ترشحه، وتسعد ليبيا بمن ينقلها إلى المستقبل فاستقرار ليبيا استقرار لجمهوريتنا الجديدة.
حفظ الله ليبيا وشعبها ومخلصيها، وأعاد أرض المجاهدين إلى مجدها، لتستفيد من كل مقوماتها وتنهض بشعبها الطيب.