أحلام الاستقلال المالي وخطايا التسويق
بالقطع أحلام الثراء والاستقرار وتحقيق الأمنيات الاقتصادية هي دائمًا ما تقودك لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبلك الاقتصادي والمهني، وبالطبع يكون صراعك ما بين البقاء في عمل منتظم كموظف أو البحث عن مغامرة اقتحام عالم ريادة الأعمال أو الشركات الناشئة دون أن تعلم الكثير عن الأسس أو الفرق بينهما، أو غياب أحد أهم أسس ومقومات النجاح التي قد تفتقدها في غمار مغامرتك وبحثك باندفاع عن الحرية المهنية وتأسيس العمل الخاص بك وبدء حياة جديدة قد تبدو براقة في بداياتها بعد انضمامك إلى عالم أصحاب الأعمال، والتأثر بموجات العولمة وعناوين براقة تدعوك للاستقلال وإدارة مشروعك باستقلالية.
الفرق بين ريادة الأعمال والشركات الناشئة
وربما ونتيجة لزيادة الشغف بالمغامرة وتحقيق الذات السريع، يختلط على الكثيرين الفروق الجوهرية بين ريادة الأعمال Entrepreneurship) والشركات الناشئة Start Up، ورغم تشاركهما في فلسفة الإبداع سواء على مستوى ضرورة جودة الفكرة وحلها لمشكلات معينة يعاني منها المجتمع أو تخصيص الموارد المتاحة أو إبداع الوصول للفئات المستهدفة بشكل أسهل وأكثر سلاسة وتأثير مجتمعي، إلا أن هناك اختلافات جوهرية قد لا يعرفها البعض، فقد تبني شركات ريادة الأعمال فلسفتها بشكل أساسي في البحث عن الفرص المتاحة في قطاع أعمال محدد ولكن لا تركز في تكوينها على الشكل التقليدي لإنشاء الشركات بكافة إداراتها النمطية، ويكون توجهها بالأساس هو البحث عن الأرباح بشكل أسرع، وبالتأكيد لن تتوقع أن أي إعادة بيع لأي منتج بحثا عن الربحية يعد نوعا من ريادة الأعمال، أما الشركات الناشئة تختلف في فلسفتها تماما حيث إنها لا تهدف فقط إلى اقتناص الفرص المتاحة في الأسواق، لكنها تطمح لتغيير وجه المجتمع وتحسين جودة الحياة باستغلال التكنولوجيا بشكل أساسي وتسعى للنجاح المستقبلي وليس الفوري، وربما تستمر لسنوات قبل أن تستطيع جني الأرباح حيث تهتم بالانتشار والتعريف بالخدمات المقدمة وبناء قواعد عملائها واستقرار الخدمات ثم البحث عن شركاء ومستثمرين لتمويل الفكرة وتحويلها إلى شركة مستقرة في الشكل والتكوين والهوية واتساع وانتشار الخدمات في المستقبل.
غياب التسويق أهم أسباب الفشل
ومع التقارب الشديد الذي يسمح أحيانا للخلط بين أنواع الشركات، ونسب نجاحهما التي لا تتعدى سنويا 10% من إجمالي الشركات التي يتم تأسيسها طبقا للتقارير المتفائلة، فكلا النوعين يتشابهان تماما أحيانا في أحد أهم أسباب فشل المغامرة والحلم، حيث لا يدرك الكثيرون من رواد الأعمال ومؤسسي الشركات الناشئة أهمية التسويق بكل أركانه بدءا من البحث التسويقي وانتهاء بوضع خطط الطوارئ التسويقية الاستراتيجية، ومروا باستراتيجيات الترويج والتسعير الخاطئ وغيرها، وطبقا لبعض التقارير الصادرة في العام الماضي فإن الكثيرون من رواد الأعمال والشركات الناشئة يقفزون مبكرا جدا لتنفيذ الفكرة دون بحث تسويقي رصين قبل البدء في التنفيذ، والذي يشكل أحد أهم أسس بناء الخطة التسويقية، ويساهم في فهم الأسواق المستهدفة بدقة، ويساعد على فهم اتجاهات السوق، المحلية والأسواق المحيطة والأسواق العالمية مما يساعد على التنبؤ بالتوقعات المستقبلية، إضافة إلى تحليل المنافسة، وأيضا فهم سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم، مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى وقوعهم ضحايا لما يعرف بقصر النظر التسويقي Marketing Myopia، والتي قطعا تؤدي قرارات خاطئة تؤدي بالضرورة إلى الفشل في فهم الأسواق المستهدفة أو عدم احتياجها بالأساس للفكرة، وهو ما يشكل 42% من أهم أسباب فشل شركات ريادة الأعمال والشركات الناشئة طبقا للتقارير الدولية الحديثة، والتي توضح بعض أسباب الفشل الأخرى المتعلقة والمرتبطة بشكل أوآخر بغياب البحث التسويقي الدقيق، مثل التوقيت الخاطئ للمشروع ويمثل 23% من أسباب الفشل، والتسعير الخاطئ والذي يمثل 18% من عوامل الفشل، وضعف السوق المستهدفة والذي يمثل 14% من الأسباب، بالإضافة إلى الكثير من العوامل الأخرى للفشل مثل ارتفاع سقف التوقعات والطموحات، ونفاذ الموارد أثناء التشغيل، والتحديات القانونية، وعدم وجود الخبرات الكافية، ونهاية الثقة الزائدة في النجاح من قبل بعض المتحمسين.
وتطلعا للمستقبل، فإن أسواق الشرق الأوسط ومصر وإفريقيا تأتي ضمن أكثر المناطق الواعدة في العالم والتي يمكن لمشروعات ريادة الأعمال والشركات الناشئة أن تحقق فيها نجاحات كبيرة إذا ما تدارك صاحب المشروع الأخطاء الشائعة وأسباب الإخفاق، وربما حان الوقت أن تتضمن مناهجنا التعليمية في مراحل التعليم الثانوي والجامعي بعضا من الأسس العامة للعلوم المرتبطة ببيئة الأعمال وتأسيسها وتطويرها، إضافة إلى التكنولوجيات الرقمية وتحليل البيانات، والتي من شأنها أن تمهد الطريق لرواد الأعمال ومؤسسي الشركات الناشئة لمعرفة أفضل تقودهم للنجاح.