"ملوك الجدعنة"
● من 8 سنين ولما كان الشاب المصري الشيف "سعيد" بيستعد ليوم فرحه فوجئ إن أصدقائه عملوا معاه موقف جدعنة ماقدرش ينساه.. جمعوا بعضهم ولبسوا يونيفورم واحد وجهزوا وطبخوا بإيديهم وبنفسهم الأكل بتاع بوفيه الفرح مجاملة لصاحبهم!.. رغم إن "سعيد" نفسه من أسرة معظم أفرادها بيشتغلوا في صنعة الكباب والمشويات لكن تصميم أصدقائه يعملوا ده معاه موقف ساب أثره عنده وفرّحه.. فقرر يرده بس بشكل مختلف.. الشيف "سعيد" قرر من 8 سنين ولحد دلوقتي إن أي فرح يكون العرسان اللي فيه أيتام أو ظروفهم صعبة؛ ياخد بعضه ومعاه الناس اللي بيشتغلوا معاه في مطعمه الخاص ويروحوا يحضرولهم أكل الفرح ببلاش تمامًا، وبدون ما ياخدوا أى أجر!.. دول كمان ساعات بيشيلوا معاهم ثمن الأكل!.. والسبب؟.. إنه عايز يفرح غيره.. الموضوع انتشر في محيط مركز زفتى في محافظة الغربية، واتنقل من قرية لقرية وبقى فيه ناس من أماكن تانية يكلموا "سعيد" وبقى ينسق مع ظروف شغله ويروح لهم برضه.. الثمن اللي "سعيد" شايفه أهم من أي فلوس هي الفرحة اللي بيشوفها على وش العريس والعروسة اللي بيشارك معاهم في يوم العمر باللي يقدر عليه.. بيقول في حوار صحفي: (بنروح نحضر بوفيه الأكل لأي حد يتيم أو ظروفه صعبة عشان نفرحه ونكون إحنا اخواته، والعريس بيقدمنا قدام أهل عروسته ويقول أصحابي جايين يفرحوني).. جدعنة من نوع مختلف معجونة بطيبة وأصل الشعب المصري اللي بتجري في عروقه شهامة وخير مالهومش حدود.
● المهندس "أحمد الخياط" الموظف في شركة "ويبكو" للبترول واللي مقرها في محطة الرمل في إسكندرية بيحكي إنه كان مسافر من إسكندرية لأسوان مع والدته في قطر الساعة 10 بالليل.. طلبوا عربية من (Uber) عشان توصلهم من البيت في ميامي للمحطة.. رغم إنهم كانوا خارجين قبل ميعاد القطر بساعة ونصف تقريبًا بس ولأن الطريق كان زحمة وصلوا قبل الميعاد بربع ساعة بس!.. المسافة من باب المحطة على الشارع لحد الرصيف بتاع قبلي مش صغيرة؛ ووالدة "أحمد" بتتحرك بصعوبة شوية وخطوة خطوة وهي متسندة عليه بسبب متاعب صحية، وطبعًا ده غير شيلة الشنط الكتير اللي كانت معاهم.. وهو وحده!.. أول حاجة عملها "أحمد" لما نزلوا من العربية إنه بص يمين وشمال ودور على أي شيّال ينقذه.. مالقاش.. مافيش وقت للتفكير.. خدها من قصيرها وشال في إيده اليمين 3 شنط حجمهم أكبر من المتوسط بشوية وفي إيده الشمال كيس بلاستيك فيه ميه وساندوتشات ووالدته شبكت كف إيدها اليمين في دراعه الشمال وبدأوا يمشوا.. الوقت بيمر.. ماشيين خطوة خطوة.. البوابة لسه بعيدة.. فاضل 10 دقايق.. أمه حست إنها بقت حِمل تقيل على ابنها وإنهم مش هيلحقوا بسببها فقالتله بأسى: (خلاص مش مهم التذاكر يا حبيبي؛ تعالى نرجع ونسافر بكره وأهو نبقى نتعلم عشان نتحرك بدري من البيت).. "أحمد" حاول يخفف من توتر أمه وقالها: (على مهلك مش مستعجلين؛ يا ستي حتى لو مالحقناش القطر نخش نقعد في الكافية اللي جوه). كل اللي كان شاغله إنه مش عايز يحسسها إنها عِبء عليه بسبب مرضها.. كملوا مشي.. "أحمد" بيقول إنه بدأ يحس إن الشنط الكتير اللي شايلها بكف إيده الشمال بدأت تحبس الدم في صوابعه وحس بألم بشع.. فاضل 5 دقايق.. فجأة وفي مدة لا تتعدى الـ 5 ثواني سمع صوت ناعم بيقول: (يالا بينا) ومع الصوت لقى حد بيخطف الشنط التلاتة من إيده بمنتهى الانسيابية وبالراحة خالص ومكمل مشي عادي جدًا!.. من الربكة كان هيصرخ ويقول (حرامي) وهيفلت أمه من إيده ويطلع يجري ورا اللي خد الشُنط ده. بص لقاها بنت في أوائل العشرينيات ماشية بهدوء من ضهرها وفي إيديها الشنط. "أحمد" وقف متنح هو وأمه وماتحركوش!.. البنت وقفت وبصت وراها وهي بتزغر وقالتله بلهجة آمرة: (أنت لسه هتبص!؛ القطر هيفوت).. بيقول رغم إنه أكبر منها على الأقل بـ 15 سنة بس حس إنه عايز يسمع كلامها.. مسك إيد أمه وقالها: (يالا يا ماما).. أمه سألته: (مين دي يا أحمد؟ لتكون حرامية!).. قالها: (والله ما عارف بس هيبان).. مشيوا على مهلهم وعينهم على البنت اللي بقت بتمد وبتبعد وأجسام الناس والزحمة بدأت تداريها عن عيونهم.. بصت لهم وقالتله بصوت عالي سمعوه بالعافية: (عربية كام؟ ورقم الكراسي إيه؟).. رد عليها بصوت عالي دون ما يكون شايفها: (عربية 7؛ كرسي 9 و10).. سمع صوتها عالي بتقول: (تمام تمام هستناكم هناك).. بيقول كل حاجة بعد كدة حصلت بسرعة.. لقى واحد شيّال من اللي بيجروا العربيات التروسيكل اليدوي جوه المحطة وطلب منه إن أمه تقعد على العربية والشيال يشدها.. هوب أقل من دقيقتين كانوا عند باب العربية.. كان كل اللي شاغله إنه يشوف البنت دي ويشكرها.. دخلوا العربية.. كرسي 9 و10.. لقى الشنط بتاعتهم مرصوصة فوق الكراسي فل والبنت مش موجودة!.. اتلفت يمين وشمال مافيش!.. "أحمد" وهو بيحكي بيقول إن من لحظة اختفائها وطول السكة -(16 ساعة تقريبًا)- بدأ مليون سؤال وسؤال ينهشوا في مخه.. مين دي؟.. ليه عملت كدة؟.. بدأ يفكر في تفاصيلها اللي شافها لثواني.. رفيعة.. معلقة شنطة مذكرات على كتفها.. ممكن تكون راجعة من كورس أو من شغل.. لبسها شيك.. سألته: حلوة؟.. قال: (ماخدتش بالي إلا من جدعنتها؛ وبعدين هو فيه جدع مش حلو!).
● من 5 سنين صديقتي "هند إسماعيل " كتبت تقول: (في مرة كنت زعلانة من حد أوي.. كتبتله رسالة عتاب طويلة.. فيها كلام كتير.. كل حرف فيها كنت بكتبه وعيني بتدمع وقلبي موجوع أوي.. بعتها.. اكتشفت بعد ما بعتها إني كاتبة الرقم غلط!. ملخبطة رقمين مع بعض.. قولت لنفسي يارب الرقم ده يطلع مقفول ومش بتاع حد.. اترعبت أول ما قريت كلمة Delivered .. الرقم بتاع حد!.. مين اللي هيقرا كل الكلام ده!.. مين هيشوف وجعي وضعفي!.. لقيت بعدها بعشر دقايق رسالة جيالي من نفس الرقم.. مكتوب فيها بالنص: "أنا آسف عشانك، متزعليش وربنا معاكي وتبقي بخير وماتبعتيش الرسالة للشخص ده".. بس!.. ولا جرب يتصل ولا يعاكس ولا أي شيء!.. ساعات الدنيا بيبقى فيها ناس نضيفة زيادة عن اللزوم.. ساعات.. أصلًا مش عارفة ليه افتكرت الموقف ده دلوقتي.. بس بدعيله مع إنى معرفش هو مين.
• مهما كانت صدمات الخذلان أو الوقعات اللي بتتسبب فيها الدنيا أو الناس اللي كنا فاكرين إنهم قريبين؛ ربنا بيراضينا بوجود ناس جدعان تانية بيحسسوك إن الدنيا لسه بخير، وفيها اللي شبهك.. عاش الجدعان في كل مكان، واللي حتى لو وجودهم لحظي بيبقى أثرهم دائم.. الشاعر "مصطفى إبراهيم" قال: (أدين بـ دين الجدعنة وبـ دين رفاق الدرب).