السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اللحظة المناسبة التي لا تأتي أبدًا!

الثلاثاء 21/ديسمبر/2021 - 08:39 ص

أنا ذا أمضي، وما قلتُ الذي كنتُ أريدْ
لم يزلْ عنديَ أشياءُ تُقالْ
أنا ذا أمضي وما قلتُ الذي عندي
وما حققتُ حلمًا واحدًا
لم يزلْ في القلبِ مني ألفُ حلْمْ
لم يزلْ في الرأسِ مني ألفُ شيءْ
وأنا أمضي بأحلامِ حياتي

بهذه الكلمات البليغة والمُوجعة ختم الراحل عبدالرحمن الشرقاوي مسرحيته الشعرية الرائعة "الفتى مهران" التي تناولت بطولة وتضحيات "مهران" الشاعر والفارس والفلاح المصري البسيط، صاحب الهمة والنخوة والفتوة، الذي كرس حياته لمواجهة فساد الحاكم العثماني وأعوانه.

ورغم ذلك فقد مات الفتى مهران دون أن تنتصر قضيته أو تتحقق أحلامه في أن تصبح مصر بخيراتها للمصريين، ودون أن يقول كل ما كان يريد، ودون أن يكتب أغنيته الأخيرة لحبيبته فتاة الحي "سلمى" لكي تُغنيها للحقول وللسنابل والأجيال المقبلة.

تذكرت هذه المسرحية وبطلها "الفتى مهران"، وكلماته الأخيرة، وأنا أقرأ كتاب (مُت فارغًا) للمؤلف الأمريكي "تود هنري" الصادر عام 2013، الذي يدعو فيه البشر للتوقف عن العيش في متاهة الحيرة والعجز، والتسويف المستمر الذي يُبدد العمر بلا طائل.

وأن يسعوا بدأب لتفعيل إمكاناتهم، وتحقيق أحلامهم، والارتقاء بأنفسهم، وخدمة مجتمعهم، وقول كل ما يستحق أن يٌقال، قبل أن يأتي الموت الذي يُنهي كل شيء، ويجعل الإنسان يذهب إلى قبره وهو يحمل ثروة غير مُستغلة، هي أفكاره وكلماته وأحلامه، التي لم ينتفع بها أو يوظفها لمنفعة غيره.

ولهذا قال المؤلف ناصحًا قارئه في نهاية كتابه القيم: "لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائما أن تَمُوت فارغًا".

وقد روى المؤلف "تود هنري" لنا كيف جاءته فكرة هذا الكتاب أثناء حضور اجتماع عمل، وجه فيه أحد المتحدثين سؤالًا للحضور عن تصورهم لما يمكن أن تكون أغنى أرض في العالم؟

فأجابه أحدهم قائلا: بلاد الخليج الغنية بالنفط.

وأضاف آخر: مناجم الألماس في إفريقيا.

فعقب المتحدث قائلًا: إجاباتكم خاطئة، إن أغنى أرض في العالم، هي المقبرة؛ لأن ملايين البشر ماتوا وهم يحملون الكثير من الأفكار والأحلام القيمة التي لم تخرج للنور، ولم يستفد منها أحد سوى المقبرة التي دفنوا فيها.

وبعد أن اقتنع "تود هنري" بوجهة نظر المتحدث، قرر تأليف كتابه (مُت فارغًا) ليضع فيه أفكارًا عملية تُساعد الإنسان على أن يعيش ممتلئًا بالأفكار والأحلام وطاقة العمل والانجاز، وأن يموت فارغًا بعد أن فعل إمكاناته ومواهبه، وحقق ذاته وأحلامه، وعاش حياته، وقال كل ما كان يُريد.

وهذا لن يتحقق  عند "تود هنري" إلا بالتخطيط الاستفادة القصوى من عنصر الوقت؛ لأن العمر مهما طال محدود، ويجب استغلاله جيدًا، وتنظيمه، لتحويل أفكارنا وأحلامنا إلى حقائق وإنجازات فعلية ملموسة تُثري الوجود الشخصي والعام، وترتقي بالإنسان وسياقه المجتمعي والإنساني.

في النهاية، هذا كتاب عظيم الأهمية للبشر الذين أوشكوا على تبديد أعمارهم في مقاعد التسويف والانتظار، وللذين فاتهم أن فضيلة الإنسان الكبرى تكمن في السعي والمجازفة والمغامرة، وتنمية روح المبادرة والابتكار، دون انتظار اللحظة المناسبة التي قد لا تأتي أبدًا.

تابع مواقعنا