مفتي الجمهورية: تهنئة غير المسلمين بالأعياد والمناسبات سنة عن النبي
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنه لا مانع شرعًا من تهنئة غير المسلمين بالأعياد والمناسبات، وكذلك من تبادل الهدايا.
جاء ذلك ردًا على سؤال ورد إلى الإفتاء، يسأل صاحبه عن حكم تهنئة غير المسلمين بالأعياد والمناسبات، وكذلك حكم تبادل الهدايا معهم، وحول مدى شرعية المجاملات في المناسبات المختلفة.
وأضاف مفتي الجمهورية: لا مانع شرعًا من ذلك؛ فالإسلام دين كله سلام ورحمة وبر وصلة، يأمر أتباعه بالإحسان إلى الناس جميعًا، ولا ينهاهم عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، بل يأمر بهذا كله ما لم يظهر الآخر العداء، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم القدوةَ الحسنة في التطبيق؛ فكان يقبل الهدايا من غير المسلمين كما ثبت في صحيح السنة.
وتابع مفتي الجمهورية: ومن هنا فهم علماء الإسلام أن قبول هدية غير المسلم ليس فقط مستحبا لكونه من باب الإحسان، بل لكونه سنةَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام والأئمة الأعلام؛ فروي شهود بعضهم أعياد غير المسلمين والأكل من الأطعمة المعدة للأكل فيها، مستحسنين لها بلا أدنى حرج، ونص الفقهاء على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم مع مراعاة أن لا يقترن ذلك بطقوس دينية أو ممارسات تخالف ثوابت الإسلام.
وأردف مفتي الجمهورية: أمرنا الله عز وجل أن نقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، وأمرنا الله بالإحسان دائمًا؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم؛ قال تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْيُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾، فالوصل، والإهداء، والعيادة، والتهنئة لغير المسلم، كل ذلك يدخل في باب الإحسان، ويعد ضمن مظاهره.
وأوضح مفتي الجمهورية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدايا من غير المسلمين؛ فقد ثبت في صحيح السنة بما يفيد التواتر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل هدية غير المسلمين، ومن ذلك قبوله لهدية المقوقس عظيم القبط.
مفتي الجمهورية: التهنئة سنة عن النبي وليست إحسانا فقط
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن علماء الإسلام فهموا من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مستحبة لأنها من باب الإحسان؛ وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ يقول العلامة السرخسي: والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق؛ وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق»، فعرفنا أن ذلك حسنٌ في حق المسلمين والمشركين جميعًا.
مفتي الجمهورية: الفقهاء نصوا على جواز تهنئة غير المسلمين
ولفت مفتي الجمهورية إلى أن الفقهاء نصوا على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم؛ ما دام هذا من قبيل الخلق الحسن المأمور به شرعًا من غير أن يقترن بنية تعظيم الكفر والرضى به؛ فقد سُئل الشيخ عليش عن تهنئة غير المسلمين: هل تعد من قبيل الردة؟ فقال: لا يرتد الرجل بقوله لنصراني: أحياك الله لكل عام؛ حيث لم يقصد به تعظيم الكفر ولا رضي به] اهـ. فلم يرَ بها بأسًا، فضلًا عن كونه لم يعدَّها من قبيل الردة.
كما نقَل الشيخ الحطاب المالكي عن الشيخ الإمام العز بن عبد السلام الشافعي أنه سُئل عن مسلمٍ قال لذميٍّ في عيد من أعيادهم: عيد مبارك عليك. هل يكفر أم لا؟ فأجاب: إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم فإنه يكفر، وإن لم يقصد ذلك وإنما جرى ذلك على لسانه فلا يكفر لما قاله من غير قصد.
وأشار مفتي الجمهورية: وإن مِن أوجب الواجبات على المسلمين في هذا العصر أن يظهروا هذا الجمال الذي في الإسلام، ليكونوا خير حملة لهذا الدين بأخلاقهم وتعاملاتهم.
مفتي الجمهورية: تحريم تهنئة غير المسلمين له سياقه التاريخي
وقال مفتي الجمهورية: وأما ما جاء في نصوص الفقهاء من النهي عن ذلك فهي أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التي اتخذت طابعًا دينيا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، فاتسم كثير من النصارى بالعداء الديني الواضح للمسلمين بحكم انتمائهم إلى الكنيسة، فكان الأمر بيننا وبينهم دينيا اعتقاديا واضحًا، ولذلك انصرف اهتمام المسلمين آنذاك إلى الفتح الإسلامي لنشر الدين الإسلامي وتوطيد أركانه، وتثبيته في الأرض، وكان يُخشى إن صُرِف إلى النصارى آنذاك نوع حفاوة بهم وبما يخصهم أن تقوى شوكتهم، ويأخذهم الغرور فيظنوا أن البدء بإظهار البر من المسلمين من قبيل الضعف، والتبجيل والتعظيم منهم لغيرهم، وأنهم مهزومون ذليلون لغيرهم في وقتٍ كان غيرهم فيه لا يخفي عنهم عداوته، فيفرضوا عند ذلك قوتهم على المسلمين، ويساعد هذا في انحسار الدين والحد من انتشاره في الأرض، ولا سيما أن أعياد النصارى كانت مرتبطة في الأذهان ارتباطا وثيقا باعتقاداتهم الدينية وبتمجيدهم للكفر؛ لكثرة الحروب المبنية على اختلاف العقيدة بيننا وبينهم آنذاك.
وأوضح: هذا دعا فقهاء المسلمين إلى تبني الأقوال التي تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى. ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضي تغير الفتوى المبنية عليه؛ إذ الفتوى تتغير بتغير العوامل الأربعة (الزمان والمكان والأشخاص والأحوال).
ورأى مفتي الجمهورية: وهذا المعنى لم يعد قائمًا في عصر المواطنة الحاضر؛ لشدة المخالطة بيننا وبينهم والتي يفرضها واقعنا المعاصر، فتهنئتهم وتبادل الفرحة معهم في أذهان العامة الآن هي من قبيل السلام والتحية وحسن الجوار، وهي مظهر من مظاهر البر والرحمة والتعامل بالرقيِّ الإنساني الذي كان يفعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع من جاوره أو تعامل معه منهم.