رئيس المعاهد الأزهرية: من لطائف اللغة العربية أن تعبر حروف الكلمة عن معناها تعبيرا وتصوره تصويرا
قال الدكتور سلامة داوود رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، إن اللغة العربية الشريفةَ قد أودعها الله جل وعلا من الأسرار ما تفنى الأعمار في كشفه ولا يَفنى، ولا يُدرك شيء من ذلك إلا بالتدبر وطول النظر وكثرة المفاتشة، وكان الإمام عبد القاهر الجرجاني يرى أن ذلك لا ينال إلا بسَفَرِ الخاطر، وهي كلمة جليلة جدا، ومن قبله قال لسان الأمة القاضي أبو بكر الباقلاني إن إدراك ذلك لا يكون إلا بسكون طائر وخفض جناح، وهذه الكلمات ونظائرها كثير، وفيها من سداد المنهج العلمي في البحث والدرس نظير ما فيها من حسن العبارة وروعة التصوير، وهي كلمات جرت كأنها الأمثال السائرة، وقل في حسنها وسدادها ما شئت.
وأضاف داوود خلال كلمته في احتفال الأزهر باليوم العالمي للغة العربية، أنه من لطائف هذه اللغة أن تعبر حروف الكلمة عن معناها تعبيرا وتصوره تصويرا، ومن المشهور في ذلك لفظ بَلَعَ فهو يصور بحروفه حركة اللقمة فى الفم؛ وهذا يحكيه البدأ بالباء لأنها من الشفتين، واللام من اللسـان الذى يلوك اللقمة، ثم العين الحلقيـة التي تنزلق بعدها اللقمة من البلعوم إلى مستقرها بالمعدة، وضدها نَبَذَ تدل بمخارج حروفها على إلقاء الشيء وطرحه كاللقمة تلفظها من فمك، فالنون من احتكاك اللسان بسقف الحنك تحكى التأهب لإخراج اللقمة ثم الباء تحكى وضعها على الشفتين ثم الذال تحكى دفعها بقوة خارج الفم.
وتابع: ومن لطائف اللغة ما ذكر سيبويه من أن اسم كان لا يكون نكرة ؛ لأن الخبر حكم عليه، والحكم لا يكون إلا على شيء معروف؛ ثم قال سيبويه "وقد يجوز في الشّعر في ضعف من الكلام" انتهى، وقال السيرافي في توجيه الحكم بالضعف "سوّغ ذلك في كان أن الاسم فيها هو الخبر، فإذا قلت: كان قائم زيدا فزيد هو القائم الذي قد نكرته، فتعرف المنكور بتعريفك زيدا؛ إذ كانا لشيء واحد، فكأنّك تعرّف المخبر عنه بمعرفة خبره، وكان ضعفه أنك لم تعرف بنفسه، وحكم الاسم يُعَرَّف بنفسه، ثم يُستفاد خبرُه انتهى شرح كتاب سيبويه: 1/ 305.
وأكمل: وهذه كلمة عالية جدا وحكمة سديدة جدا في قانون اللغة، وينبغي أن تكون كذلك في حياة الناس ؛ لأن لغتهم جزء منهم، بيان ذلك أن الأصل أن اسم كان يكون معرفة بنفسه لا باكتسابه التعريف من خبرها ؛ فإن تعريفه حين يكتسب التعريف من خبرها عجز وضعف في اسمها أن لم يكن معرفة بنفسه، بل كان عالة على الخبر ؛ ولذا حكم سيبويه على وقوع اسمها نكرة بأنه ضعيف، وإذا كان هذا في اللغة فإنه ينبغي أن يكون هذا الوصف في أهلها ؛ فكل فرد فيها ينبغي أن يكون معرفة بنفسه معتمدا على ذاته، لا ينتظر أن يكتسب شرفه وتعريفه ومقامه من أحد، ولا ينبغي أن يعتمد على أحد، ما دام قد شب عن الطوق، فينبغي أن يكون اعتماده على نفسه، وهكذا تتناغم اللغة مع أصحابها.