مرثية الكوثر الأرضي.. أبو ديوان يرثي فقيد الشباب الدكتور محمد متولي
منذ أيام رحل عن دنيا الناس الشاب الدكتور محمد متولي، مدرس النقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة إثر حادث سير أليم وقع له في عمان، حيث كان يعمل بالتدريس في إحدى جامعاتها، وهو ما أثار حالة كبيرة من الحزن بين كل من يعرفه، فرغم صغر سن الفقيد فقد كان نابغا وناقدًا مميزًا وذو أخلاق رفيعة.
في هذا الصدد كتب الشاعر السيد خلف أبو ديوان، مدرس التاريخ بكلية دار العلوم، والحاصل على المركز السادس في مسابقة أمير الشعراء بنسختها الأخيرة، القصيدة التالية بعنوان مرثية الكوثر الأرضي في رثاء الراحل محمد متولي.
مرثية الكوثر الأرضي
«فتى الفتيان» متَّهَمٌ
وتهمتهٌ له -يا ناسُ- جمهورُ
فيعلم أين يخفيهم.. ويجهل كيف يبديهم
ويرحل دون بغيتهِ؛ لكي لا ينعسَ السُّورُ
وفي كفَّيهِ لؤلؤتان من ذكرى محطَّمَةٍ
أقضَّتْ ريش سنبلة تهاوت فوق راحلة مؤجَّرةٍ
كأنْ لا حبلَ يعصمها سوى «برلينَ» والميزانُ مأجورُ
تلظَّى- والفضا نايٌ- ضلوعٌ ما رَفَتْ شيبًا
يسدُّ ثقوب أزمنةٍ تؤجِّلُ جرحَها الحاني
لدمع بات يعزفه بكأس اليأس مخمورُ
"فتى الفتيان متْولي"
------
فكيف تمر في صحراك قافلة من الفلِّ؟
وفي أشواك معناك المُنَى نبتتْ على ظِلِّي؟
متى تستمطرِ العرَّافَ كذَّابا
فأجمل كذْبةٍ في العشق
أنْ تحتلَّ حاضرة منَ الرمْلِ
وأشهى شهقةٍ للروح
أنْ يبقى بريئا كالهوى الطِفْلِي
وأبصر منظر للعين
أنْ تنسلَّ منْ كحلٍ إلى كحْلِ
«فتى الفتيان متولي»
------
بأكفانٍ من الفجرِ..
ضحاها عاش سيافا على ظَهْري
من الظُّهرِ إلى العصرِ..
وبعد غروب غمد النار
عاد الحرفُ بكَّاءً عشاءً
ينفخ الأحزان فوق بلاط مملكةٍ مغيَّبةٍ
تعيش بتاجها المزعوم في سرداب أخيلةٍ معتَّقةٍ
تربَّتْ في صدى الأوهام منْ قبرٍ إلى قبرِ
وها قدْ نام محسودا ومسحورا ومأسورا
وأصعب يقظَةٍ للحلمِ
إنْ يسلمْ عزيزَ القومِ للكابوسِ طُعْمًا وهْوَ مأسورُ
"فتى الفتيان متْولي"
------
تقوقعْ أيها الجلَّاد دعني والحكايات الأليمَهْ
فنصف روايةٍ تكفي
لمَ الإصرارُ!
هل تمشي موانيهم إذا الأفلاك قد سبحتْ سقيمَهْ؟
بداء الوعي كان النفْيُ منجاةً
ولم ينجُ الذي كسر الصراطَ لكي يُقِيمَهْ
فماذا لو تهادته البرايا
كذئبِ «الشنْفرى»؛
ألقى –على جوعٍ- همومَهْ؟
يراود طيفَ جاريةٍ
ويابَى أنْ تَردَّ إلى حناجرهمْ مزاميرَ الغدِ الظمآنِ منتشيا
عرائسُ وحْيِهِ الحُورُ
طريدًا تحتَ قُبَّتِهِ..
وحيدًا بين رِعْشتِهِ..
غريبا شادَ خيمتَهُ
بموج الغيمِ..
لمْ يُطْفِئْهُ إلَّا الحُبُّ.. والنورُ
-----
نفورا كالظبا- يمضي لغايته سواه-
يخطُّ أوتادا- ويصحو في رداء الخوف محمومًا-
تجاذبها الرياحُ- تخونهُ يدهُ-
فيذكر ضحكة الكهَّان والفُقُرا أصابعهُ:
خرائطنا بوادي الموتِ..
وادينا بكهف الصمتِ..
والموتى عماليقٌ يمصُّ الوقتُ قصَّتَهُمْ،
وينحتُ نَعْيَ نخْلَتِهمْ..
وأنْتَ تقود أقزاما وعُميانًا وبُرْصانًا وعُرْجانا..
فهل ينعاكَ- يا مسكينُ- مبتورٌ وموتورُ؟
-----
صديقكَ أخرسوه هناك حين أشار فاستلقتْ أناملهُ:
سحرناها ودسناها..
دفنَّاها.. ولكنْ!
بقْعةٌ حمرا تخطَّتْ سلكنا الشائكْ
وغاصتْ تحتَ نخلتنا..
روتْ عهْدا لآبائكْ
لينهضَ إصْبَعٌ منها مهيبًا مثلَ علْيائكْ
تَوعَّدنا وأوعدنا.. جررنا ذيلَ خيبتنا بحسرتنا..
فحاصرنا أبو د«يوا»نَ بينَ الــ«واوِ»
كيفَ نفرُّ منْ أَلِفٍ إلى يائكْ؟
"فتى الفتيان متولي"
------
نبيَّ السردِ معذرةً..
توَسَّدْ ما غرستَ لنا؛ فأصلك في السما أهلي
وفرعك في الورى أصلي
وثغرك يا «إلهَ الضحْكِ» لمْ يرحلْ
وصوتكَ عطَّر الأرجاءَ تنْدى كلَّما أسألْ
أعزِّي منْ؟
وقد أغْرى ولمْ يُسْلِ «ي»
«فتى الفتيان متولي»
«أسامةُ» آنَ أنْ ترْضى فَتَمْضي
خليلي.. قلتَ يا رحمنُ، عجِّلْ فهْوَ بعْضي
لماذا يطمعُ الصوفيُّ – يا ظلَّامُ-
والفردوسُ مسكنهُ بكلِّ الكوثرِ الأرْضِي؟!