ننشر نص كلمة رئيس الطائفة الإنجيلية باحتفال عيد الميلاد المجيد
نظمت الطائفة الإنجيلية بمصر، احتفالًا رسميًا بعيد الميلاد المجيد، في الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، بحضور القس الدكتور أندريا ذكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ونائبا عن رئيس الجمهورية وعدد من النخبة، من بينهم اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة.
احتفال عيد الميلاد المجيد
وبدأ القس حديث كما يلي: الإخوةُ والأخواتُ الأحباءْ، أهنِّئُكم بعيدِ الميلادِ المجيدِ، والذي نحتفلُ بهِ اليومَ في ظلِّ جائحةِ كورونا التي لازَمَتْنَا طيلةَ العامَيْنِ الماضيينْ.
نشكر الله من أجل حضورنا جميعًا هذا العيد؛ فالعيد له معنى عميق بحضور حضراتكم.
يشهدُ العالمُ اليومَ تطوراتٍ كثيرةً وعديدةً جرَّاءَ متحوراتِ فيروس كورونا، وتهددُ هذهِ التغيراتُ سلامةَ العالمِ على كافَّةِ الأصعدةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ وحتى الدينيةْ.
وكما رأينَا، فآخرُ هذهِ المتحوراتِ هو أوميكرون الذي أرعبَ العالمَ.
ومع ذلك، مازلنا ممتنِّين مع كل الشعوب حولَ العالمِ للتقنياتِ الحديثةِ التي أدَّتْ إلى التوصُّلِ للفاكسين المضادِّ للفيروس والذي أنقذَ حرفيًّا آلافَ، بل ملايينَ، الأرواحِ منَ البشرِ.
فاللهُ يعطي مع التجربةِ المنفذَ أيضًا.
حياةٌ وسطَ المخاطرِ
وقال إن تغيرَ نمطُ الحياةِ بشكلٍ كبيرٍ على المستوى العالميِّ، وتكيَّفَ البشرُ بشكلٍ مذهلٍ على الحياةِ معَ الفيروسْ، وأن العاصفةَ هدأتْ إلى حدٍّ ما، ولكن مازالتِ المخاطرُ المفاجئةُ تظهرُ للسطحِ كلَّ يومٍ، متابعا أن أنواعُ المخاطرِ الحياتيَّةِ:هذهِ التغيراتُ اليوميةُ عديدةٌ ومتنوعةٌ كلَّ يومْ:منها خطرُ فقدِ الأحباءِ والقريبينْ، والذي تألمَ بهِ كثيرونَ، وأصبحَ خطرًا داهمًا يُفزِعُ الكثيرينَ كلَّ يومٍ، إذ أن التقلباتُ الاقتصاديةُ جعلتِ الكثيرينَ غيرَ قادرينَ على مواجهةِ تحدياتِ الحياةِ اليوميَّةِ، خصوصًا مَنْ فَقَدُوا وظائِفَهُم أو مَنْ يحاولونَ الاستثمارَ في الأعمالِ الخاصَّةِ، وأصبحَ اتخاذُ القرارِ الاقتصاديِّ اليومَ صعبًا للغايةِ خصوصًا أمامَ فئةِ الشبابِ الذينَ يسعونَ لمواكبةِ تحدياتِ العصرْ.
وأشار رئيس الطائفة الإنجيلية باحتفال عيد الميلاد المجيد، إلى مخاطرُ الخوفِ المبرر أو المُبالغِ فيهِ، خصوصًا كمَا رأينا رعبَ العالمِ منْ متحوِّرِ أوميكرون والذِي أعادَ للأذهانِ فتراتِ الإغلاقِ حولَ العالمِ، ودفعَ دولًا كبرَى لإغلاقِ حدودِهَا، متابعا نحنُ إذًا أصبحْنَا في حالةِ توجُّسٍ مستمرٍّ ودائمٍ ولا أحدَ يضمنُ ما الذي يحدثُ غدًا. وازدادَ معَ ذلكَ التشوُّشُ بينَ المخاوفِ الحقيقيَّةِ وغيرِ الحقيقيَّةْ.
ولفت: كانَ يوسفُ رجلًا بارًّا كمَا يصفُه متى وفُوجِئَ أنَّ خطيبتَهُ مريمْ، التي أوشكَ على الزَّواجِ منهَا، حاملٌ في طفلٍ، وفقًا للشريعةِ اليهوديةِ، كانَ يوسفُ أمامَ قرارٍ واحدٍ، هوَ كشفُ الأمرِ لإنزالِ العقابِ بالشريكةِ الخائنةِ (تث 22: 23 – 24) لكنَّ يوسفَ قررَ أنْ ينفَصِلَ عنِ العذراءِ مريمَ دونَ فضحِهَا أرادَ تَخلِيَتَها سِرًّا.
وتابع: تدخُّلُ اللهِ وسطَ الخطرْ: في هذهِ اللحظةِ يتدخلُ اللهُ، ويرسلُ ملاكًا يشرحُ الأمرَ ليوسفَ النجارِ: مريمُ عذراءُ ولمْ تخطِئْ، بل حَبِلَتْ بشكلٍ معجزيٍّ فائقٍ للطبيعةِ؛ لأنَّ هذهِ هي إرادةُ اللهِ، تدخَّلَ اللهُ ليُنقِذَ القديسةَ العذراءَ مريمَ ويَحمِيَ يوسفَ النَّجارَ منْ مَخاوفَ غيرِ حقيقيَّةٍ وبالتالي، كانَ إنقاذًا لأسرةِ السيدِ المسيحِ منْ مخاطرَ عديدةٍ قد تحدثُ بسببِ هذا الخوفْ.
الخطرُ الثاني: خطرُ الموتِ على يدِ هيرودسَ الملكِ (مت 2: 7 – 12)
طبيعةُ الخطرْ:
قال رئيس الطائفة الإنجيلية، إن رأى هيرودسُ الملكُ أنَّ المجوسَ قد جاءُوا ليبحثُوا عنِ الطفلِ المولودِ مَلِكِ اليهودِ خافَ جدًّا، ودَبَّرَ مؤامرةً لقتلِ الطفلِ يسوعْ، وحتى يعرفَ مكانَ السيدِ المسيحِ، أوهمَ هيرودسُ المجوسَ بأنَّهُ يريدُ أنْ يذهبَ ويسجُدَ لهُ، حتى يُخبِرُوه عنْ مكانِ الطفلِ عندما يجدُونَهُ، ونحنُ إذًا أمامَ مكيدةٍ هدفُها قتلُ الطفلِ يسوعَ بمجردِ ولادتِهْ، ويدبِّرُ هذهِ المكيدةَ هيرودسُ، صاحبُ أكبرِ قوةٍ في البلادِ ضدَّ طفلٍ صغيرْ.
ولفت إلى الخطرُ الثالثْ: خطرُ قتلِ أطفالِ بيتِ لحمْ على يدِ هيرودسَ الملكْ (مت 2: 16 – 17)، مشيرا إلى طبيعةُ الخطرِ حيث يخبرُنا الوحيُ المقدسُ عن غضبِ هيرودسَ منْ تصرُّفِ المجوسِ الذينَ استجابوا للملاكِ ومضَوا إلى بلادِهم دونَ أنْ يُرشدوه لمكانِ الطفلْ، وامتزجَ غضبُ هيرودسَ بالخوفِ منَ الطفلِ يسوعَ باعتبارِهِ المسيَّا الملكْ.
وأمرَ هيرودسُ بقتلِ كلِّ أطفالِ بيتِ لحمْ دونَ السنَتَيْنِ، لكيْ يَضمَنَ بذلكَ أنَّ يسوعَ قدْ ماتْ، فالغضبُ والخوفُ قادرانِ أنْ يُفقِدَا الإنسانَ عقلَه، فيصيرَ هوَ نفسُه خطرًا على المحيطينَ بهِ بسببِ مخاوفِهِ غيرِ الحقيقيةْ.
تدخُّلُ اللهِ وسطَ الخطرْ:
تابع: مرةً أخرى نرى اللهَ يتدخلُ وسطَ الخطرِ؛ فيظهرَ الملاكُ في حُلمٍ، ويأمرُ يوسفَ أنْ يأخذَ الصبيَّ وأمَّه ويهربَ إلى مصرَ، لتتحققَ نبوءةُ هوشعَ النبيِّ "مِنْ مصرَ دعوتُ ابْني.
استخدمَ اللهُ بلادَنا مصرَ لتكونَ مأوًى آمنًا للسيدِ المسيحْ، كما كانتْ دائمًا لأنبياءَ كثيرينَ لجأوا إليها بدايةً منْ إبراهيمْ.
حمى اللهُ العائلةَ المقدسةَ في مصرَ، وبقيتِ العائلةُ المقدسةُ في مصرَ لسنواتٍ، ولا تزالُ آثارُهم باقيةً إلى الآنِ في أماكنَ عديدةٍ.
الخطرُ الرابعُ: أرخيلاوسُ ابنُ هيرودسَ (مت 2: 19 – 23):
طبيعةُ الخطرْ:
حينما ماتَ هيرودسُ الملكُ، أخذَ يوسفُ العذراءَ مريمَ والطفلَ يسوعَ وعادَا إلى أراضي اليهوديةِ، ولكنْ ما أنْ همَّ بالدخولِ للأرضِ حتى علِمَ أنْ أرخيلاوسَ، ابنَ هيرودسَ، أصبحَ ملكًا خَلَفًا لوالدِه، وكانَ معروفًا عنْ أرخيلاوسَ أثناءَ فترةِ حكمِ أبيهِ أنهُ شخصٌ قاسٍ ومتسلطْ. فخافَ يوسفُ النجارُ أنْ يبطشَ بهمْ أرخيلاوسْ.
تدخُّلُ اللهِ وسطَ الخطرْ:
وأشار في كلمته، هنا، لا يقولُ الوحيُ المقدسُ بأنَّ اللهَ كلمَ يوسفَ منْ خلالِ ملاكٍ كمَا في المرَّاتِ السابقةْ، بل أنَّ اللهَ أنذرَ يوسفَ بطريقةٍ غيرِ مُعلنةْ، ورغمَ عدمِ وجودِ رسالةٍ مباشرةٍ منَ اللهِ ليوسفَ، تمكَّنَ يوسفُ منْ قراءةِ التاريخِ جيدًا، وإدراكِ الواقعِ المحيطِ بهِ وظروفِهِ وتداعياتِهِ، فاتخذَ القرارَ المناسبَ وحوّلَ مسارَ العائلةِ المقدسةِ منَ العودةِ لأراضي اليهوديةِ إلى الشَّمالِ قاصدًا مدينةَ الناصرةْ، لافتا: هذا يعلِّمُنا كيفَ نستخدمُ كافةَ الوسائطِ التي منَحَها لنَا اللهُ لاتخاذِ قراراتٍ سليمةْ، كما فعلَ يوسفْ، لاحقًا، نعرفُ منَ التاريخِ كيفَ قامَ الإمبراطورُ الرومانيُّ بنفيِ وعزْلِ أرخيلاوسَ حتى موتِهِ، وهكذا، تدخَّلَ اللهُ بطرقٍ غيرِ مُعلَنَةْ، لينقذَ العائلةَ المقدسةَ من شرورٍ عديدةٍ أحاطتْ بهمْ.
حضورُ الخطرِ وحضورُ اللهِ في رحلَتِنَا
مخاطرُ مفاجِئةْ: رأينَا كيفَ أحاطتِ المخاطرُ والمكائدُ بقصةِ ميلادِ السيدِ المسيحْ، وكيفَ تسبَّبتْ هذهِ المخاطرُ المفاجِئةُ أمامَ كلِّ خطوةٍ من تحركاتِ السيدِ المسيحِ وعائلتِه في تغيُّراتٍ عديدةْ، وحضورُ اللهِ وسطَ المخاطرْ: لكنْ رأينَا أيضًا كيفَ كانَ اللهُ حاضرًا في وسطِ كلِّ هذهِ المخاطرِ، وكيفَ كانَ يتدخَّلُ في اللحظةِ المناسبةِ، بطرقٍ متعددةٍ ليرشدَ يوسفَ النجارَ ويقودَهُ نحوَ السلامِ والأمانْ.
إنقاذٌ بحسبِ مشيئةِ اللهْ: وهنَا أودُّ أنْ أشيرَ معَكُم إخوتي كيفَ أنَّ الوحيَ المقدسَ يخبرُنا بنمطٍ إلهيٍّ: فاللهُ يتدخلُ وسطَ المخاطرِ ليحققَ مقاصدَهُ الصالحةَ دائمًا نحوَ شعبِه. اللهُ لا يتدخلُ بشكلٍ عشوائيٍّ، ولا بشكلٍ غيرِ مفهومْ بلْ دائمًا لديهِ خُطَّةْ، ومقاصِدُهُ الصالحةُ دائمًا لا تسقطُ أبدًا نحوَ شعبِه.
الكلمةُ ملجأٌ لنَا: لكلٍّ منّا خصوصيةٌ في العلاقةِ معَ اللهْ، ولكلٍّ منَّا طرقُهُ التي يتعاملُ بها اللهُ معَهُ. لكنَّ هناكَ ملجأً آمنًا لنا اليومَ في الكلمةِ المقدسةِ التي تعلنُ لنا عنْ طرقِ اللهِ من نحوِنا، وعنِ الخيرِ الذي يريدُه اللهُ لنَا نحنُ البشرْ.
أدعوكمْ جميعًا للتمسُّكِ بالكلمةِ؛ لأنَّ لنا فيها حكمةً ونموًّا وإنذارًا وتوجيهًا.
واختتم رئيس الطائفة الإنجيلية باحتفال عيد الميلاد المجيد: الحياةُ كنموذجٍ مصغرٍ لرحلةِ الميلادْ، وإنَّ حياتَنَا اليومَ هي نموذجٌ مصغَّرٌ لرحلةِ الميلادْ، التي كانتْ مليئةً بالمخاطرِ والتحدياتْ، بعضُ هذهِ المخاطرِ كانَ حقيقيًّا، ولكنْ حتى المخاوفَ المُبالغَ فيها التي تبنَّاها هيرودسُ كانتْ تمثِّلُ خطرًا مُحدِقًا بالسيدِ المسيحْ، وكما رأينا حضورَ اللهِ في كلِّ تفاصيلِ قصةِ الميلادْ، ندربُ حواسَّنا على إدراكِ حضورِ اللهِ في وسطِ المخاطرِ في رحلةِ حياتِنا،وهذا الإدراكُ كفيلٌ بأنْ يهدِّئَ من روعِنا ومخاوفِنَا. لأنَّ اللهَ أعظمُ منَ الظروفِ، والمخاطرِ، والمخاوفْ إذا كنَّا نؤمنُ أنَّ اللهَ كليُّ السلطانِ على الظروفِ، فلنْ نخافْ.
وفي نفسِ الوقتِ، لأنَّ اللهَ العظيمَ هذَا.. يحبُّنا! وبالتالي، كلُّ ما يحدثُ لنا هو لخيرِنَا في نهايةِ الأمرْ، حينما نرَى الصورةَ كاملةً، سندركُ معيَّةَ اللهِ، ونرى آثارَ أقدامِه تسيرُ بجانبِنا طوالَ الرحلةِ والمسيرةْ التصاقٌ بالكلمةِ المقدسةْ:
ودعا في ختام كلمته: أدعوكم أحبائي أنْ نلتصقَ بالكلمةِ المقدسةْ؛ لأنَّ لنا فيها حياةً وهي تشهدُ لعظمةِ اللهْ في الكلمةِ المقدسةِ نلتقي معَ اللهْ، يرشِدُنا ويقودُنا كما قادَ يوسفَ النجارَ بطرقٍ متنوعةْ في الكلمةِ المقدسةِ، نجدُ سلامَنا وراحتَنا رغمَ كلِّ المخاطرِ المحيطةْ تمييزٌ لمشيئةِ اللهْ: أخيرًا، أدعوكُم أحبائي أنْ تميِّزوا مشيئةَ اللهِ لحياتِكم، الأذنُ المصغيةُ لصوتِ اللهِ ستدركُ مشيئتَه ومن يميِّزُ مشيئةَ اللهِ لحياتِه يعيشُ في سلامٍ داخليٍّ وراحةٍ داخليةْ؛ لأنهُ يعلمُ أنهُ يفعلُ ما يجبُ أنْ يفعلَه، وأخيرًا، لنضعْ دائمًا هذهِ الرسالةَ نصبَ أعينِنَا: لا يوجدُ سلامٌ يفوقُ هذَا السلامَ الذي يمنَحُهُ اللهُ، خصوصًا، وسطَ مخاطرِ الحياة.
