آخر حوار لنجل الجاسوسة انشراح موسى قبل وفاته: المعادي نقطة تحوّل في علاقتنا مع الموساد الإسرائيلي.. وصورنا 72 فيلمًا لصالح تل أبيب | الحلقة الثانية
يواصل القاهرة 24 نَشر الحلقة الثانية، من حوار رافيل بن ديفيد، نجل الجاسوسة الإسرائيلية انشراح موسى، والذي تُوفي منذ عدة أشهر إثر إصابته بحالة متأخرة من مرض السرطان، وسبق وانفرد القاهرة 24 بإجراء حوار كاملًا معه، فك فيه لأول مرة كثيرًا من الشفرات التي تخص علاقة والدته الجاسوسة الإسرائيلية انشراح موسى -التي توفيت منذ أسابيع داخل مدينة تل أبيب بإسرائيل- بالإضافة إلى كشف تفاصيل تورطهم في استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق عام 1969، وأشياء أخرى وعلامات استفهام يجيب عنها الحوار في الجزئيين المتبقين.
ونشر القاهرة 24 الحلقة الأولى من حوار رافيل بن ديفيد، والذي روى فيه شهادته عن تعامل والديه مع الكيان الصهيوني خلال وعقب نكسة 1967، حيث أكد خلال الجزء الأول أن من درب والديه وجندهم هو أبو نعيم -اسم حركي لضابط إسرائيلي- حيث طور من أدائهم بعدما علمه علم اليقين أنهم تحت سيطرته تمامًا، وعن توقيت كشفه تعاون والديه لصالح تل أبيب، أوضح أنه أخبر أبيه أنهما إذا استمرا في العمل معهم سيبلغ عنهم الجهات الأمنية.
وإلى نصّ الجزء الثاني من الحوار:
حدّثْنا ديفيد عن رد فعل والدك بعد تهديدك بإبلاغ الجهات الأمنية إذا استمر يعمل رفقة المخابرات الإسرائيلية.. ولماذا لم تُبلِغ؟
نعم، هدَّدت والدي بذلك لكنني في النهاية كنت أعلم إنه سيُسجَن هو وأمي طال الأمر أم قَصُر، لكنه قال لي في وقتها إن العمل مع إسرائيل سيستمر لمدة عامين فقط حتى نأمن مستقبلنا ومن بعدها سنتركهم، ووعدني بالسفر إلى أمريكا ودخول أفضل الجامعات بها، وكان دومًا يُغريني كي لا أفضح سرَّهما، ولكن في النهاية كنت أعلم أنهما سيسقطان بأيدي المخابرات المصرية.
هل شاركتهما في أي أعمال تجسس داخل أو خارج مصر طوال فترة وجودك معهما، سواء كانت تكليفات مباشرة أو بشكل غير مباشر قبل علمك بعملهما؟
نعم.. حدث فعليا وكنت أبلغ حينها 14 عامًا، حيث سافرت إلى السودان خلال عمل والدي مع المخابرات الإسرائيلية، حيث هرّبنا الكثير من الأفلام مخبأة بطريقة سرية داخل الكراسي ما يعرف باسم "البّف"، كنا قد اشتريناها من حي الحسين بالقاهرة، ووضعنا كرتونة محملة بأفلام كثيرة من المناطق الحيوية داخل مصر، حيث كان داخل كل كرسي كرتونة محملة بأفلام تصل إلى 24 فيلمًا تقريبًا.
كم تقريبا إجمالي عدد الأفلام التي قمتم بتصويرها خلال تعاونكم مع تل أبيب؟
صورنا ما يقرب على 72 فيلمًا للكثير من المناطق العامة وبعض الثكنات العسكرية، وغيرها داخل القاهرة وبعض المحافظات الأخرى.
صف لنا تفصيلا طريقة خروج الأفلام منذ بدء تصويرها إلى وقت وصولها واستلامها داخل تل أبيب؟
بعد استهداف المناطق وتصويرها، فكرنا في عدة حِيل لتأمينها وخروجها من مصر، واستقرينا في النهاية على فكرة الكراسي، كونها وقتها فكرة غريبة ومستحدثة ومتعارف على جلب هدايا مصرية من أحياء مثل خان الخليلي والحسين، ثم نسافر بها عَبر الطيران المصري إلى دولة السودان، ومنها إلى إثيوبيا، ومن ثم تأتي طائرة خاصة من شركة "العال" وهي من كبرى شركات الطيران الإسرائيلية، لتذهب بها إلى تل أبيب، وهنا يتوقف دورنا ولا أتذكر أني سافرت معهم لتسليم أفلام قبل ذلك.
هل تلقى والديك إشادات ومكافآت من الموساد بسبب تصوير أماكن دقيقة وصعبة، وهل رأيت موقفًا من قبل شهد هذا الأمر؟
بالفعل صورنا الكثير من المواقع الهامة، حيث صورت والدتي مصر «من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها»، وبالصدفة وفي منطقة كورنيش المعادي وأثناء مرورنا بالسيارة، وجدنا وحدة عسكرية يتدرب بها سلاح المهندسين على إنشاء كباري والعبور بها من نهر النيل للبر الثاني منه، وذلك للاستعداد لعبور قناة السويس واجتياح خط برليف، وحينها طلب والدي من أمي إخراج الكاميرا لتصوير تلك المواقع الهامة، وبالفعل صورنا تلك المواقع وأرسلناها لإسرائيل.
كم يبلغ تقريبا المقابل المادي الذي كان يتحصل عليه والداك مقابل التخابر من إسرائيل؟ وهل ترى المقابل المادي كان مغريا حينها لخيانة الوطن؟
أبي لم يكن يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية بـ "القطعة" أو بالمعلومة، لكنه كان يعمل لديهم كموظف، حيث كان يحصل على مرتب شهري قيمته 1500 دولار، ووالدتي كانت تحصل على 1000 دولار، وهو مبلغ كبير جدا حينها، بالإضافة إلى تعيينهما داخل الجيش الإسرائيلي فأبي كان "كولونيل" أي مقدم، وأمي كانت برتبة ملازم أول بالجيش الإسرائيلي، وبالفعل ارتديا الزي العسكري الإسرائيلي وتم تصويرهما بتلك الملابس العسكرية، وهذه المعلومات لا تشرفني عندما أتحدث عنها لكنني أذكر الحقيقة التاريخية فقط، على حد تعبير ديفيد.
بالحديث عن الأموال التي تقاضياها.. صف لنا التحول اجتماعيا بعد انتقال الأسرة من منطقة الأميرية إلى مدينة نصر؟
بالفعل هناك تحول اقتصادي كبير حدث لنا وتَبعه تحولٌ طبقي اجتماعي، أمي كانت تعشق "الفشخرة" والتباهي، وأرادت الانتقال إلى منطقة جديدة أعلى في المستوى، وهو ما حدث بالفعل، حيث انتقلنا إلى منطقة مدينة نصر لتوسيع قاعدة المعرفة أكثر خصوصا أن المنطقة لها خصوصية أكبر، مع العلم أن علاقتنا في منطقة الأميرية مع من حولنا كانت جيدة، حيث كنا نحصل على معلومات كثيرة مختلفة، وذلك بفضل العلاقات التي أقامها أبي وأمي مع الكثير من المسئولين، حيث كان يقيم حفلا كل يوم خميس داخل منزلنا للحديث عن ما يهم الوطن بطريقة لا تثير اللغط حوله، ومن خلالها كان يحصل على الكثير من المعلومات الهامة.
حدثنا عن دورك في هذا التوقيت.. وما لاحظته على تعامل والديك مع من حولهم؟
عندما انتقالنا إلى مدينة نصر بدأنا نتعرف على مستوى اجتماعي جديد مع المسئولين، وكنت على علاقة بأحد الأصدقاء وكان له شقيق يعمل بأحد المناصب الهامة، حيث دعوته أكثر من مرة إلى داخل منزلنا، ومن ثَمّ الحديث عن تفاصيل تخص الوضع في البلاد ومدى تقبل الشعب فكرة دخول حرب ضد العدو الإسرائيلي، وهو ما سهّل مأمورية أبي وأمي في تلك الفترة.