بورقة النفوذ الصيني.. هل تكبح بكين جماح إيران لحساب المصالح الخليجية؟ | تقرير
تبادل مصالح أم تقارب اقتصادي وسياسي كورقة ضغط على إيران حيال ملفها النووي ووقف دعم أذرعها المسلحة في المنطقة العربية؟.. ذلك السؤال بات حديث الشارع العربي وتحديدا الخليجي، إثر تقارب الصين الأخير مع الدول الخليجية.
فبالرغم من سير أغلبية دول الخليج تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، فإن الأيام الأخيرة شهدت تغيرات دراماتيكية بسعي البلدان الخليجية لفتح أفق تعاون وتقارب مع التنين الصيني.
التقارب الخليجي مع الصين، ظهر جليا قبل ساعات، على خلفية زيارات لوزراء خارجية السعودية، والبحرين، والكويت، وعمان، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لبكين، في زيارة رسمية تستمر لمدة أربعة أيام بناءً على دعوة من مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي.
وعلى الرغم من عدم الكشف أجندة تلك الزيارة، فإن الصين تتمتع بعلاقات وثيقة مع دول الخليج كافة، على الرغم من أن العلاقة الدبلوماسية بينهما لم تبدأ إلا مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وكانت متأخرة قياسًا بالعلاقات الدبلوماسية التي أقامتها بكين مع الدول العربية ودول الشرق الأوسط الأخرى.
ورقة ضغط على إيران
المحلل السياسي السعودي الدكتور نايف الوقاع، قال لـ القاهرة 24، إن العلاقات الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي علاقات تشهد نموًا وتطورًا كبيرًا وهذا ناتج بسبب المصالح المشتركة، خصوصًا وأن الصين أكبر مستورد للبترول من منطقة الخليج وشريك أساسي في مجالات متعددة، ليس فقط في المجال البترولي، وإنما في المجال الاقتصادي بمفهوم أوسع، وأيضا بالمجال الصناعي والعسكري والسياسي والثقافي والأمني، وبالتالي فهذه الزيارة أو الطلب الصيني من وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي زيارة بكين، جاء لإجراء محادثات متعددة الأطراف.
وأوضح الوقاع أن دعوة بكين لوزراء الخليج تبين وتوضح مكانة دول مجلس التعاون، وأنها كتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية أصبحت مؤثرة على المستوى الدولي والإقليمي، وبالتالي جاءت تلك الدعوة الجماعية.
وتابع المحلل السياسي السعودي: لا شك أن المحادثات التي ستكون خلال هذه الزيارة متعددة الاتجاهات والمستويات، وسيكون من ضمنها بالتأكيد استقرار أسواق الطاقة والبترول، وتحديد آفاق التعاون في المجالات المختلفة، وربما يكون الملف الإيراني موجودًا على طاولة هذه المفاوضات، خصوصًا وأن الجميع يعرف بأن الصين بعد الاتفاقية الشهيرة التي أبرمتها مع طهران لمدة 25 عامًا وتقريبا أصبحت هيمنة الصين على كل مفاصل الدولة الإيرانية والاقتصادية منها تحديدا، وبالتالي فالصين عامل فاعل ومؤثر في السياسة الدولية وفي حفظ الأمن والاستقرار الدولي.
قوة الصين
وأكمل الدكتور نايف الوقاع حديثه، بأن مصالح الصين من جهة مع مجلس التعاون الخليجي ومن جهة أخرى مع إيران، تحتم أهمية الوصول إلى تفاهمات مشتركة، فظاهر الأمر أو إذا نظرنا إلى الأمور بسطحية سنرى أن هذه العلاقة متضادة، فكيف يكون هناك علاقة حسنة مع قطبين أو مع جهتين في حالة صراع، أقصد دول الخليج من جهة، وطهران من جهة أخرى، لكن يمكن توظيف هذه العلاقة للضغط على إيران للوصول إلى تفاهمات مشتركة بتوظيف العلاقة الصينية مع إيران، للوصول إلى اتفاق نووي يضمن عدم حصول إيران مستقبلا على أسلحة نووية، أيضا يضمن عدم الاستخدام السيئ والمفرط في تزويد الميليشيات بالصواريخ البالستية، أيضا أذرع إيران في المنطقة ودعمها للميليشيات الإيرانية كحزب الله والحشد الشعبي وجماعة الحوثي، ومن ثم هذه العلاقة ينتظرها آفاق جديدة، فيما فيه مصلحة الطرفين الخليج وإيران.
وأنهى المحلل السياسي السعودي الدكتور نايف الوقاع حديثه مع القاهرة 24، بأن دول مجلس التعاون الخليجي تملك الكثير من الأوراق والكثير من القوة، في حال بدت المفاوضات مع أي طرف كفريق واحد، وأيضا الصين هي الدولة التي تنمو وتتقدم بسرعة، حتى أصبحت منافسا قويا للقطب الأوحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وربما خلال سنوات ستزيح بكين واشنطن من الصدارة الاقتصادية على مستوى العالم، أيضا هناك نمو متسارع في القوة الصينية خاصة في الصناعات العسكرية، في الصواريخ وبناء حاملات الطائرات والسفن القتالية، وهذا يؤكد أن للصين رغبة في الوجود في أعالي البحار والمياه الدافئة، ومن ثم فنحن أمام صفحة جديدة ربما تُسهم فيها الصين بعودة الاستقرار والأمن للمنطقة من جديد.
علاقات استراتيجية
من جهته، قال المحلل السياسي البحريني عبد الله الجنيد، في تصريحات صحفية، إن الرياض وأبوظبي هما أكبر شركاء الصين اقتصاديًّا في منطقة الشرق الأوسط، والمجموعة الخليجية تدرك أهمية العلاقات الاستراتيجية بين بكين وطهران، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية التوازن في العلاقات الاستراتيجية بين بكين وعموم دول المنطقة.
وأضاف الجنيد، هناك عدة ملفات تملك بكين تقديم المقترحات حولها، انطلاقًا من الملفات الإيرانية، ومفاوضات فيينا حول الملف النووي، وسلوكها الإقليمي وبرامجها العسكرية، وذلك بالإضافة إلى الملف اليمني والسوري.
ولفت الجنيد إلى أن الدبلوماسية الصينية تعتمد خلق مقاربات تخدم مصالحها الاستراتيجية. وقال: هي في حاجة لتحقيق اختراق في حالة التوتر في المنطقة نتيجة رفض دول المنطقة الإذعان للهيمنة الإيرانية. مضيفًا حول ما يمكن أن تقدمه الصين في هذا الشأن أنه يجب النظر للاتفاقية الاستراتيجية الصينية الإيرانية من خلال إطارها الزمني، لا التعهدات الأمنية والاقتصادية ضمن إطار تلك الاتفاقية.
واستكمل بالقول، إن بكين طرحت مقاربة خلال جولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في الشرق الأوسط، والتي بدأها من الرياض في مارس من العام 2021، فهل يمكن قراءة حدوث تطورات جديدة ضمن ما تراه المجموعة الخليجية أمنًا قوميًّا، تشمل سلوك إيران والملف اليمني والسوري، وعملية الانتقال السياسي في العراق، وأمن وسلامة الملاحة البحرية؟.
ولفت إلى أن تحول الصين إلى ضامن لأمن إيران وتنميتها ضمن اتفاقية الربع قرن يجب أن يشفع لها لممارسة نفوذ ما يؤثر على عموم سلوك إيران وسياساتها في المنطقة، وأن تحصل بكين على الضمانات اللازمة من الإيرانيين لإنجاح مقاربتها السياسية.
ونظرًا إلى الطلب المرتفع عالميًّا عليها والاضطراب الذي أحدثه (كوفيد-19) في هذا المجال، تشعر بكين بالقلق إزاء إمداداتها.
اتفاق التجارة الحرة
وحسب صحيفة جلوبل تايمز اليومية التي تصدر بالإنجليزية، قد تُسهم هذه الزيارة في إحراز تقدم في المناقشات حول اتفاق التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.
في سياق متصل، قالت وزارة الخارجية الصينية إن وزراء خارجية دول خليجية وإيران وتركيا يزورون الصين كل على حدة هذا الأسبوع، لإجراء محادثات، في الوقت الذي تجرى فيه مباحثات في فيينا حول إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015.
وصرح وانجج وينبين، وهو ناطق باسم وزارة الخارجية الصينية: تأمل بكين بأن تؤدي الزيارة إلى تعزيز العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وأن تسمح للحوار والتعاون بين الجانبين بأن يكون مثمرًا أكثر.
وقال في مؤتمر صحافي دوري نحن مستعدون للعمل الجاد مع كل دول مجلس التعاون الخليجي لضمان تنميتنا المشتركة.
في الغضون، قال وزير الخارجية الصيني وانج يي لنظيره السعودي فيصل بن فرحان، إنه رغم ضرورة الحفاظ على نظام عدم الانتشار النووي على مستوى العالم فلا بد أيضا من مراعاة "المخاوف العادلة والمعقولة" لدول المنطقة.
ضفة الخليج الأخرى
على صعيد متصل، ورغم عدم وجود عداء بين الصين والبلدان الخليجية، إلا أن بكين مؤخرا، عمقت علاقتها مع ضفة الخليج الأخرى، خصوصا بعد توقيع اتفاقية شراكة مع طهران نهاية مارس من العام الماضي، والتي سميت الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتنص على التعاون بين البلدان لمدة 25 عامًا في الأنشطة الاقتصادية، منها النفط والتعدين، إضافة إلى تعزيز النشاط الصناعي في إيران، والتعاون في مجال النقل والزراعة.
وتعد زيارات الدبلوماسيين الأجانب إلى الصين نادرة منذ عامين بسبب أزمة الوباء.
وذكرت تقارير دولية أن جهات سياسية وعسكرية دولية تراقب عن كثب السياسات الصينية في منطقة الخليج العربي وحولها، وهو ما أكدته تقارير سابقة حول مسألة التوسع الصيني والمنافسة الماثلة على كل الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والتي بدأت فعليا بالتبلور عبر الحضور السياسي المتنامي، الأمر الذي أصبح يشكل عاملا رئيسا في الحسابات الغربية والأمريكية تحديدا.
يذكر أن الصين تعد أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وقد أدى الانتعاش الاقتصادي العالمي في الأشهر الأخيرة إلى ارتفاع حاد في أسعار كل مصادر الطاقة، خصوصا الغاز والنفط.
وخلال السنوات الأخيرة، سعت الصين لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج، وفي العام 2014، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج مضاعفة المبادلات التجارية مع المنطقة بحلول العام 2023.