أوميكرون ليس آخر تحورات كورونا
كلما ظن الإنسان أنه تربع على عرش الوجود خذلته الطبيعة، كان ثمة اعتقاد شائع أنه ومع ظهور فجر الألفية الثالثة سيتمكن العلماء من إعلان انتصارهم النهائي على الأمراض المنتقلة عن طريق العدوى، لكن يبدو أن هذا الاعتقاد كان مجردَ حلمٍ سريع التبدد أمام جيش الميكروبات الذي لا يزال يفتك ببني البشر.
فهل مازالت الميكروبات كثيرة العدد رغم وقوف الإنسان في وجهها بأبحاثه المستمرة وعقاقيره المختلفة؟، أم هل غدت تلك الميكروبات شديدة المقاومة إلى الدرجة التي أنتجت عندها طفرات تُنبئ بظهور جيل جديد منها أشد مقاومة للعقاقير المختلفة؟.
فالعديد من الأمراض الميكروبية الكبرى اختفت تقريبًا من الدول المتقدمة، وحتى الآن غدت معظم اللقاحات والعقاقير المتوفرة قادرة تقريبًا على القضاء على معظم الأمراض ولكن الطبيعة لا تحب -للأسف- أن تترك فراغًا في مكان ما، فاختفاء مرض معين لا بد أنه سيترك الفرصة لغيره من الأمراض كي تحل مكانه وهناك الكثير من الميكروبات التي ظلت تقف حجر عثرة أمام العلماء إلى يومنا هذا.
ونقول إن الإنسان بعلمه وقدرته وعقله يستطيع أن يتوصل إلى القضاء على تلك الأمراض عاجلًا أو آجلًا، ولكن يجب علينا أن نقف ونقول أنه عندما يتوصل إلى ذلك آجلًا سيكون قد ظهر مرضٌ جديدٌ وخطر داهم آخر ليبين عجزه وضعفه ويكون ساعتها محتاجًا للعناية والرحمة من الله من عواصف تهدد وجوده.
منذ ديسمبر 2019، اجتاح العالم نوع من الميكروبات يُسمى بفيروس كورونا، والذي تم تحديده لأول مرة في مدينة ووهان بالصين وبعد مرور ما يقارب العام من انتشار وتفشي هذا الوباء تسابقت العديد من دول العالم للإفصاح عن وجود لقاحات لهذا الوباء، وقبل أن تتمكن الفرحة من قلوب الناس خَلَفَ الفيروس طفرة تلو الأخرى وكأنه يقول اصنعوا ما شئتم من لقاحات فإني باقٍ لحين، ظهرت متغيرات مختلفة للفيروس في إنجلترا والبرازيل وكاليفورنيا وغيرها من الأماكن.
وقد تكون المتغيرات الأكثر عدوى مثل بيتا ودلتا قد زادت من القدرة على إعادة إصابة الأشخاص الذين تعافوا من النسخ السابقة للفيروس، كما أنها مقاومة إلى حد ما لبعض اللقاحات.
ومع ذلك، يبدو أن اللقاحات المستخدمة حاليا توفر حماية كبيرة من الأمراض الحادة الناجمة عن متحورات الفيروس، وكانت آخر تلك الطفرات التحورية ما عرف بسلالة أوميكرون.
لعلنا نسأل عن السبب الذي يدفع تلك الميكروبات إلى إنتاج طفرات من هذا النوع، ونحن لا ندرك أن تلك الكائنات تشترك معنا في صفة الصراع من أجل البقاء، فكما هو معروف ان الفيروسات متطفلة تطفلًا اجباريًا أي أنها لا تستطيع أن تعيش خارج العائل، لذا عندما يكتسب الإنسان مناعة خلال تعرضه لإصابة فيروسية أو من خلال تطعيمه يبدأ الفيروس في التحور صانعا نسخ بعيدة أو قريبة الشبه منه للهروب من المناعة ويكمل حياته وجود التحورات مرتبط بتغييرات في بعض الأحماض الأمينية التي تتكون منها بروتينات الفيروس.
حدوث الطفرات يؤدي إلى تغيرات في خصائص الفيروس تؤثر في معدل انتقاله وانتشاره أو في حدة عدواه المرضية وأثرها على جسد الإنسان والتحورات قد تنشأ في الأعداد التي هربت من المناعة المكتسبة من التطعيم داخل جسم الإنسان، لذا المطلوب هو جيل فعال من اللقاحات يكون لديه القدرة على القضاء الكامل على الفيروس، ولحين الوصول لهذا الأمل توجد مخاوف عديدة من ظهور سلالات أخرى من فيروس كورونا.
وكما أشارت الدراسات العلمية إلى أن ظهور سلالات جديدة من الفيروسات بصفة عامة يكون سلاح ذو حدين فإما أن تكون أشد فتكًا من الفيروس الأصلي أو تهبط حدة خطورتها كما حدث مع فيروس الأنفلونزا الإسبانية عام 1918م فبعدما تسبب في وفاة 50 مليون شخص انحسر انتشار الفيروس بعد تحورات عدة أضعفته.
وبعد مرور عامين كاملين على وجود فيروس كورونا بمتحوراته والدراسة المستمرة عليه تتجه الأنظار للاستفادة من المسار التطوّري الذي انتهجته فيروسات الأنفلونزا والتي قد تقدم معلومات عن المسارات المستقبلية لفيروس كورونا.
التحدث عن انتهاء جائحة فيروس كورونا رغم انتشار العديد من اللقاحات يحتاج المزيد من الدراسة من قبل المختصين وقد أشرت من قبل ان تلك الجائحة ستستمر على الأقل ثلاث سنوات، وقد تم نشر هذا الكلام في احدى المجلات المتخصصة قبل ظهور أي متحورات لهذا الفيروس، لذا حري بنا أن نعد العدة لذلك من حيث التجهيزات الطبية والحد من التجمعات التي لا داعٍ لها، وأن نطور من أدوات تقييم المخاطر المرتبطة بجائحة كورونا.