الدراويش والمجاذيب حبايبنا.. راوية الحكّاءة تسرد قصة عمها الملحن الشهير وكيف شكّلت الأضرحة وحلقات المدح موهبتهما
قيل إن الإنسان راوٍ بالفطرة، يحب أن يسرد القصص والحكايات، خاصة إذا كان جزءًا منها، فهو يتميز بها، ويصبح مطلوبًا في المناسبات كشخص هام في القرى القديمة التي لا زالت تحتفظ بتلك العادة، تسرد الحكّاية راوية إمام قصتها مع عمها الملحن سيد إسماعيل، وكيف تركت التعليم ولكنها أصبحت راوية اسمًا على مسمى نتيجة وجودها في الموالد والأضرحة وسماعها للمداحين الذي كان عمها شغوف بهم.
قالت السيدة راوية، 66 عاما، من محافظة الشرقية، إنها توقفت عن التعليم عند المرحلة الإعدادية، بعدما كرهت اللغة الإنجليزية كثيرًا بسبب مدرس العائلة الذي كان يعاملها بقسوة شديدة، وكان سببًا في هروبها من الامتحانات والدراسة بشكل كامل، ولكنها كانت من أشد المعجبين باللغة العربية، وهذا بفضل عمها الملحن سيد إسماعيل.
وروت الستينية خلال حديثها لـ القاهرة 24، أنها كانت لا تفارق عمها الراحل سيد إسماعيل، الحكواتي العظيم، وكانت تدور معه في الموالد والأضرحة، وتجلس مع الدراويش والمجاذيب تسمع أساطيرهم وحكاياتهم التي لا تنتهي.
راوية وعمها الملحن
سمعت من عمي ومن المداحين والمنشدين حكاوي ملهاش أول من آخر..بهذه العبارة بدأت راوية تسرد قصتها مع عمها الملحن الراحل، فكان الجد الكبير يثق فيه وفي حبه وشغفه بالفن الذي كان هو أيضًا يقدّره كثيرًا، رغم أنه كان خريج الأزهر الشريف.
وقالت راوية: كان جدي عازف ناي بالفطرة، وكان صديق حميم للمطربة فايدة كامل التي دخلت فيما بعد عالم السياسة، وكان لديه وعي بالموسيقى والفنانين، لذلك قدم لعمي في معهد الموسيقى العربية، فكان من أوائل الناس في القرى التي دخلت هذا المعهد.
وتابعت راوية: والدي لم يكن لديه فكرة أن البنات للبيت والبيت للبنات، فكان يأخذني في زياراته لعمي بالقاهرة، ويتركني معه أذهب إلى الموالد التي تعلمت منها فن الحديث والحكاوي، وكان يُقدمني للمنشدين والمداحين، من تعلمت منهم أصول وفن اللغة العربية التي أثرت في نفسي، قربت من عالم سيد إسماعيل واكتسبت منه مهارة الحكي بالتشويق وتعبيرات الوجه، وبقينا كذلك إلى أن أصبح عمي عمدة الإذاعة المصرية، فهو أول من لحن للهضبة عمرو دياب.
عايدة الشاعر وسيد إسماعيل
ومن أشهر أغانيه: زود مكاسب ثروتك، الشمع انقاد يا فلاحين، ميل يا جميل، آدي شمس الحرية، أنا عبدك، فينك يا جميل، هون يا كريم، سمرا يا سمارة، يا قلبي ارتاح، كحل العيون، الهوى غلاب، حبيت بلدي، ميعاد الزين، وبشاير وغيرها.
تزوج سيد إسماعيل من المطربة عايدة الشاعر، فتقول راوية إنها حينما كانت تأتي إلى القرية كان يستقبلها الفلاحون بحفاوة كبيرة، فكانت بسيطة جدًا تحبهم ويحبونها، أول ما تقوم به خلال الزيارة، ارتداء ملابس الفلاحات والجلوس معهم، تسمع حكاياتهم وتغني معهم، بل وينزل عليها مع زوجها الوحي لخلق ألحانًا جديدة.
الحكّاية راويةوزوجها القارئ
تقول راوية: بعد جلوسي مع عمي دائمًا وصحبته في الموالد، أصبحت في القرية معروفة بالحكّاية راوية، كنت بمارس مهارة الحكي في المناسبات العامة، مثل ليلة حناء العروس والتجهيزات وحتى سرادق العزاء، عنصر الجذب لحضور المعازيم الأفراح.
وأكملت راوية حكايتها: رغم كبر سني شيئًا فشيئًا، وتناسيت فكرة إكمال تعليمي، إلا أنني أحببت القراءة كثيرًا، فكان زوجي المعلم في التربية والتعليم، شغوف بها، فيأتي ابننا الأكبر بالكتب بمجرد إصدارها، ويقرأها لي زوجي بصوت عالٍ، نظرًا لكبر سني وضعف نظري.
وقالت: أحببت كتب عمر طاهر كثيرًا، وأولها كان كتاب صنايعية مصر، ومن هنا تشجعت أن اهتم بنظري وأرتدي النظارة كي أستمتع بقراءة الكتب بنفسي، فقرأت أيضًا لعفاف طبالة ورانيا حسين أمين، لم أحب التعليم ولكني أحببت اللغة العربية كثيرًا وأتمكن من الكتابة بالخط الرقعة بشكل جميل جدًا، كما أنني رميت كتب المدرسة ولكن أحببت قراءة كتابات عمر طاهر وغيره من الكتاب المعاصرين.