فضل ثورتي 25 يناير و30 يونيو
في ظل ما تشهده المنطقة العربية منذ عام 2011، من ثورات شعبية أدت إلى سقوط بعض النظم العربية، وقيام حروب أهلية، وانهيار أكثر من دولة، وتعرض وحدتها ووجودها للخطر،؛ فإن النظرة المتأملة في هذا المشهد تُظهر أننا في مصر عبر السنوات العشر الماضية كنا بين سيناريوهين كلاهما مُدمر، ونجونا منهما بفضل ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
السيناريو الأول: استمرار حكم الرئيس مبارك، وعدم قيام ثورة 25 يناير، وبالتالي نجاح مشروع التوريث، ووصول جمال مبارك لمقعد الرئاسة في مصر.
هذا السيناريو كان سيفتح الباب لمزيد من الفساد والظلم الاجتماعي وتخريب الاقتصاد الوطني، وضرب السيادة الوطنية واستقلال القرار المصري، والقبول بتدخلات أجنبية سافرة في شؤون مصر الداخلية وسياستها الخارجية، في محاولة من الرئيس الجديد، "جمال مبارك" الذي يفتقد الحد الأدنى من التأييد الشعبي، ويواجه معارضة شديدة من النخبة السياسية الوطنية، والجماعة الثقافية، وبعض القطاعات في الجيش ومؤسسات الدولة، لدعم سلطة حكمه باسترضاء القوى الدولية والإقليمية.
وهذا الوضع كان سينتهي إلى إضعاف وانقسام مؤسسات الدولة، وسقوط الاقتصاد، وتحولنا إلى دولة رخوة وفاشلة بالكامل، ونشوب "ثورة جياع" تنشر الفوضى والخراب في ربوع البلاد، وتعرض وجود الدولة المصرية ووحدتها للخطر.
السيناريو الثاني: استمرار حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر دون قيام ثورة 30 يونيو، وبالتالي نجاح الجماعة في تغيير هوية مصر، وأخونة مؤسسات الدولة، واختراق الجيش والشرطة، وإدخال مصر في تحالفات إقليمية ودولية تتناقض مع ثوابتها الوطنية، وتهدد مصالحها التاريخية وحاضرها ومستقبلها، وتحول مصر عامة وسيناء خاصة إلى قبلة لأصحاب اتجاه الإسلام السياسي، وجياع العقول من الجهاديين الحالمين بوهْم الخلافة الإسلامية.
وهذا السيناريو كان سيؤدي إلى سخط العناصر الوطنية في الجيش ومؤسسات الدولة السيادية، وسخط قطاعات عريضة من الشباب والمثقفين والجماعة الوطنية، وزيادة مخاوف المسيحيين من تهديد وجودهم في مصر، لينتهي كل ذلك بعد عدة سنوات من حكم جماعة الإخوان إلى ثورة شعبية، يدّعي فيها الإخوان وحلفاؤهم من جماعات الإسلام السياسي أنهم حزب الله وأنصاره، وأن الإسلام يُحارب في مصر بمحاربتهم، وإن خصومهم والثائربن على حكمهم أعداء للإسلام وليس لحكم الجماعة.
وكل ذلك كان سيؤدي إلى شيوع الخراب والفوضى، وقيام حرب أهلية، لينقلب الأمريكان والغرب على جماعة الإخوان، بعد أن أدوا مهمتهم بامتياز في تخريب وتفكيك وإسقاط الدولة المصرية، ليتم تصنيف مصر تحت حكمهم كدولة راعية للإرهاب، وتضطهد المسيحيين والأقليات، بما يفتح الباب للتدخل الدولي لحمايتهم، وحماية أمن وحرية الملاحة في قناة السويس.
الفوضى والخراب وسقوط الدولة، كانا إذن المصير الذي سننتهي إليه بمصر في حالة نجاح أحد السيناريوهين السابقين، كما حدث مع دولة إقليمية عديدة محيطة بنا؛ ولكنا نجونا من هذا المصير بقيام ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وبعناية الله، ووعي وإرادة الشعب المصري، ووطنية الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية، وموقفهم المنحاز في الثورتين لمطالب وأحلام المصريين في الإصلاح والتغيير، والحفاظ على هوية وثقافة وثوابت الدولة المصرية.
ويبقى التحدي الرئيسي أمامنا جميعًا اليوم، هو عدم انتاج السياقات التي أدت إلى قيام ثورة 25 يناير، ومن بعدها ثورة 30 يونيو.
وهذا لن يكون إلا بإعادة استكمال بناء مشروع الدولة الوطنية المدنية الحديثة، التي تكفل بمؤسساتها الراسخة القوية، ووطنية ونزاهة القائمين عليها محاربة الفساد، وحماية أمن ووحدة واستقرار البلاد، وتحقيق حلم المصريين في التغيير والإصلاح، وتوفير العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية، دون الحاجة للثورة الشعبية والنزول للشارع، وتعريض وجود ووحدة واستقرار الدولة المصرية للخطر مرة أخرى.