علي جمعة: المسلمون تأثروا في كتابة أدبياتهم بفكرة النسبي والمطلق
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء، إن المسلمين تأثروا في كتابة أدبياتهم بفكرة النسبي والمطلق، فنراهم يبدءون بالإقرار بالإيمان بالمطلق، وبما يؤدي إليه ذلك الإيمان من الإيمان بالله وبرسله وبالقيم السامية العالية التي شرحناها من قبل، ويتمثل ذلك في بدايات الكتب حيث يبدءون (ببسم الله الرحمن الرحيم) والتي نُحت منها في لغة العرب كلمة (البسملة) للدلالة عليها؛ حيث كثر استعمالها في البدايات، ثم يتبعون ذلك (بالحمد لله رب العالمين)، وتفننوا في صياغات الحمد كثيرًا، ثم يذكرون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
علي جمعة: الله أعلم كلمة حكيمة تدل على أمور عديدة
وأضاف جمعة، أنهم يعللون ذلك، وهم يشرحون كلامهم بأن في هذا (البدء بالبسملة والحمدلة) اقتضاء بالكتاب الكريم، حيث بدأ بفاتحة الكتاب بقوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين) [الفاتحة: 1، 2]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) [الترمذي والدار قطني] وفي رواية (بحمد الله) [أبوداود والنسائي في الكبرى، وابن حبان] وفي رواية (بذكر الله) [مصنف عبد الرزاق] وذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم امتثالا لقوله تعالى في ذلك: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وطلبا للثواب العميم الذين ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا) [رواه مسلم]، وأداء لواجب النبي صلى الله عليه وسلم في نفوسنا من تعظيمه وتوقيره وحبه.
وتابع جمعة: في أثناء مقدمات الكتب التي ينبغي أن تتم فيها دراسة واعية للبدء بهذا الإقرار (أعني الإقرار بالمطلق) يذكرون قضية الخلق، والكون من حولنا، ويذكرون نعمة الله علينا بالتعلم، وبالأمر والنهي والتكليف، ويذكرون شيئًا من هموم الدنيا وعوارضها وشواغلها ومشاغلها، ويقرون بمحدودية الإنسان وبضعفه، وبأنه يحتاج أن يضيف الاستغفار لله رب العالمين مع طلب المعونة والتوفيق إلى ذلك الحمد الذي بدأ به، وقد يقرون مع ذلك بالشهادتين كمدخل معرفي مربط ما يقولونه من نسبي بما يؤمن به من مطلق.
واختتم علي جمعة، قائلا: وتراهم يقولون في نهاية اجتهادهم أو بحثهم (والله تعالى أعلى وأعلم) أو (والله أعلم) وهي كلمة حكيمة تدل على أمور منها؛ إعلان أن علمه محدود، وأن حواسه التي تتلقى الواقع من حوله محدودة، وأن الدماغ الذي هو محل التفكير وأداته محدود كذلك، ومعنى هذا أنه مع اجتهاده وتعامله مع الواقع وبحثه يعترف بأنه محدود، ويبدو أن الذات لا تتضخم حينئذ ولا يغتر الإنسان بما قد توصل إليه، ويترك فرصة كبيرة من ورائه لقضايا القطع واليقين والجزم في مقابلة قضايا الظن.