الجزيرة وطالبان | علاقة القناة والحركة.. بدأت حميمية وانتهت بالصدام
الجزيرة تكذب، تلك الكلمات كانت مضمون آخر بيان نشرته حكومة طالبان المسيطرة على الحكم في أفغانستان منذ منتصف شهر أغسطس الماضي، حول لقاء وزير داخليتها مع قناة الجزيرة، الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم 22 يناير، قبل أن ترد الحركة عقب ذلك بأيام بتكذيب القناة، ما يوحي بتصاعد أزمة وتصدع العلاقات بين الطرفين، إذ لم يكن الرد على مستوى الحكومة الموجودة في كابول فقط، بل امتد إلى تكذيب من قبل الحكومة والمكتب السياسي في العاصمة القطرية الدوحة، مقر قناة الجزيرة، بعدما بثت القناة أول لقاء مع وزير داخلية طالبان بالوكالة سراج الدين حقاني، مخفية وجهه عن المشاهدين.
الجزيرة وقّعت فيما وصفته طالبان بأنه كان متوقعا من الجزيرة: أن تلتزم بأصول الصحافة الحقيقية، ليمثل ذلك مسمارا في نعش العلاقات بين القناة الإعلامية التي عملت على مدار عقود كمنصة إعلامية للحركات المتطرفة بداية من تسخيرها ترسانتها الإعلامية في بث ونقل جميع خطوات تنظيم القاعدة قبل وفاة أسامة بن لادن مؤسس التنظيم والزعيم الروحي له، والخارج من عباءة طالبان.
لجوء طالبان إلى تكذيب الجزيرة بسبب نشر الأخيرة ما يفيد بأن وزير داخلية طالبان وجه تهديدات إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستواجه ردا من قبل الحركة في حال لم يتم الاعتراف بحكومة طالبان التي تتولى السلطة حاليًا في أفغانستان، وهو ما يعني نقض الحركة لاتفاق السلام الموقع في عام 2020، الذي يقضي بخروج أمريكا من أفغانستان، مع التزام طالبان بعدم استخدام أراضي أفغانستان لتهديد المجتمع الدولي بمختلف دوله، الأمر الذي من شأنه أن يدخل طالبان في أزمة مع أمريكا مرة أخرى، لذا فضّلت تكذيب الجزيرة والاصطدام بها بدلا من مواجهة رد فعل أمريكي غير معلوم.
القاعدة وقناة الجزيرة
وبالعودة إلى التاريخ، كانت الجزيرة الملجأ الإعلامي العربي الوحيد لزعيم تنظيم القاعدة، باستخدامها لإرسال العديد من الرسائل من خلالها، وظهوره إعلاميًا عبر شاشاتها، بإجراء حوارات أو بث مقاطع للتنظيم تختص بها الجزيرة فقط، دون معرفة كيفية وصول تلك الشرائط إليها في أوقات لم تكن تكنولوجيا إرسال الفيديو كما هي الآن.
بيد أن علاقة الجزيرة الحالية بحركة طالبان ووجودها برفقة قادة الحركة في قصر الرئاسة بكابول بشكل شبه دائم في أول أيام تمكنهم من السيطرة على الحكم، وتمكنها هي فقط دون غيرها من إجراء حوارات مع رجالات الحركة التي لا يزال قائدوها مدرجين على قوائم التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتهم وزير الداخلية بالوكالة سراج الدين حقاني، رئيس الشبكة الحقانية أشرس أذرع الحركة عنفًا في عملياتهم الإرهابية، تعيد إلى الأذهان علاقة الجزيرة بتنظيم القاعدة من خلال مراسلها في أبوت أباد الباكستانية.
الوثائق التي أفرج عنها لأول مرة في عام 2018، مثلت وصمة على جبين القناة التي تلتف حولها علامات استفهام كثيرة بشأن علاقتها بالجماعات المتطرفة بمختلف أنواعها، وتمكنها دائمًا من الوجود بالقرب منهم قبل وقوع أي حدث يمس تلك الحركات أو الجماعات، وفي مقدمتهم في الوقت الراهن حركة طالبان.
علاقة قناة الجزيرة بحركة طالبان
كشفت الوثائق وفقًا لما نشره في ذلك الوقت موقع قناة العربية، العلاقة التي جمعت ما بين مراسل قناة الجزيرة في باكستان أحمد زيدان، وبين قيادات تنظيم القاعدة، ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تسارع إلى وضع مراسل القناة عام 2015، على قائمة المراقبة كإرهابي مشتبه به، واعتباره عضوًا في التنظيمات المتطرفة.
تاريخ قناة الجزيرة مع القاعدة في تلك الحقبة خاصة، أعاد إسقاط الضوء عليه لتكرار ذات السيناريو من خلال إجرائها حوارات متتالية مع قادة حكومة حركة طالبان التي ما زال عدد من قياداتها وفي مقدمتهم سراج الدين حقاني، آخر من حاورته القناة من قيادات الحكومة، والذي ظهر شريطة عدم إظهار ملامح وجهه، كونه مدرجًا على قوائم المطلوبين دوليًا.
فيما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن رصد مكافئة تصل إلى 10 ملايين دولار للقبض عليه، إلا أن صفعة طالبان تجاه قناة الجزيرة التي مثلت منبرًا إعلاميًا لهم، حملت اسم ذات الرجل، فقد جاءت بإعلان حكومة طالبان تكذيب ما بثته قناة الجزيرة، عن وزير الداخلية سراج الدين حقاني، حول تهديدات لأمريكا، قائلة: توقعنا من وسائل الإعلام أن تلتزم بأصول الصحافة الحقيقية، ما يثير تساؤلات عدة عن ماهية علاقة الجزيرة بحركة لا يزال غالبية قادتها مدرجين على قوائم الإرهاب الدولي.