مميت البدع.. سيرة المؤلف الكبير الإمام جلال الدين السيوطي
قدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تعريفا بالعالم الموسوعي، والمؤلف الكبير الإمام جلال الدين السيوطي، في ذكرى مولده التي توافق غرة شهر رجب.
مولده ونشأته
وولد الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بالقاهرة في غرة رجب سنة (849 هـ/1445م)، وتعود جذور عائلته إلى محافظة أسيوط بصعيد مصر؛ وهذا هو سبب تسميته بالسيوطي.
وقدر الله تعالى للإمام السيوطي أن يعيش في زمان راجت فيه الحركات العلمية، وتيسرت فيه سبل العلم بما لم يتيسر في زمان قبله؛ مما ساعده على تحصيل العلوم المختلفة في زمن قياسي؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم اتجه لحفظ المتون، وطلب العلوم المختلفة، كالفقه والأصول، والتفسير، والحديث، واللغة، وغير ذلك من العلوم.
شيوخه
ورحل الشيخ السيوطي في طلب العلم إلى عديد من البلدان، كالشام، والحجاز، واليمن، والهند، والمغرب، وتلقى العلم على يد كبار علماء عصره، أمثال: الشيخ شهاب الدين الشارمساحي، وشيخ الإسلام علم الدين البلقيني، وشرف الدين المناوي، والعلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، والعلامة محيي الدين الكافيجي، والشيخ سيف الدين الحنفي، وغيرهم كثير.
ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيخات راسخات في العلم من النساء، أمثال: آسية بنت جار الله بن صالح الطبري، وكمالية بنت عبد الله بن محمد الأصفهاني، وأم هانئ بنت الحافظ تقي الدين محمد بن محمد بن فهد المكي، وخديجة بنت فرج الزيلعي، وغيرهن كثير.
تدريسه للعلوم وتوليه الإفتاء
برع الإمام السيوطي في ما تلقاه من علوم، مما جعله عالمًا موسوعيًّا في العلوم الشرعية والعربية، كعلم القراءات، والفرائض، والفقه، والأصول، واللغة، ووصل إلى رتبة «الحافظ» في علم الحديث، حتى قيل عنه: إنه خاتمة الحفاظ.
ولما اكتملت عنده دوائر العلم وأدوات المعرفة جلس للإفتاء، وتدريس العلوم، وفي هذا الشأن يقول عن نفسه رحمه الله: رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، ويقول أيضا: وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله لا فخرًا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر.
تلامذته
ولا يخلو متعلم بعد السيوطي إلا ونهل من بحره الزاخر، واستفاد من مؤلفاته النافعة، ومن أبرز تلامذته الذين عاصروه: شمس الدين الداودي، وشمس الدين الشامي محدث الديار المصرية، وابن إياس المؤرخ الكبير، وزين الدين الشماع، وشمس الدين بن طولون.
أقوال العلماء عنه
وقال عنه تلميذه الداودي: وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالًا وغريبًا، ومتنًا وسندًا، واستنباطًا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث؛ قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك.
وقال تلميذه عبد القادر بن محمد: الأستاذ الجليل الكبير، الذي لا تكاد الأعصار تسمع له بنظير شيخ الإسلام، وارث علوم الأنبياء عليهم السلام، فريد دهره، ووحيد عصره، مميت البدعة، ومحيي السنة، العلاَّمة البحر الفهامة، مفتي الأنام، وحسنة الليالي والأيام، جامع أشتات الفضائل والفنون، وأوحد علماء الدين، إمام المرشدين، وقامع المبتدعة والملحدين، سلطان العلماء ولسان المتكلمين، إمام المحدثين في وقته وزمانه.
ووصفه ابن العماد الحنبلي بأنه: المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.
وفاته
ورحل الإمام السيوطي عن عالمنا في 19 جمادى الأولى سنة 911 هـ، ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال؛ نسبة إليه.