الأحد 22 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الوطنية الحقيقية عنوان التدين الصحيح

الخميس 03/فبراير/2022 - 08:00 م

الوطنية مفهوم أخلاقيٌ قبل أن يكون وصف اجتماعي للمواطن، فالوطنية هي وجه من أوجه الإيثار لدى المواطن للتضحية براحته، وربما بحياته من أجل بلاده  دون أن ينتظر مقابل لموقفه من وطنه، فالوطنية الحق هي التي تنبع من معتقد ديني سليم، فالوطن هو الأرض التي ولد فيها المواطن وبها تربى ونشأ وترعرع على ربوعها، وعليه أيضا عاش معتقده وفكره الذي ورثهما من أسرته وبيئته، والوطنية هي عاطفة أو تعلق وجداني بالوطن، كما أن الوطنية هي حالة من القلق والاهتمام بحال البلد، والوطنية هي إحساس بهوية خاصة وشعار خاص للوطن في وجدانه وكيانه يعيش بها حياته في ربوع وطنه وخارج حدوده، وهو على أتم الاستعداد لتقديم تضحيات من شأنها رفعة وطنه وتحقيق مصالح بلده التي تعرف بالمصالح القومية.

وللأسف في منهج فكر جماعات الإسلام السياسي يجعل من مصطلح الوطنية والتدين مصطلحان متضادان لا يجتمعان في نقطة واحدة أو على أرضية ثابتة، وهذا يولد في شخصية الفرد بتلك الجماعات خلل كبير وتعارض في مفهومه للوطن، ففي الفكر الإسلامي هناك مفهوم واحد وهو مفهوم الأمة، ومفهوم الأمة هو ما عليه أناس  في فترة زمنية محددة وعلى دين واحد، كما بين ذلك قول الله عز وجل في كتابه القرآن الكريم حيث قال: وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ، وهذا يتعارض مع مفهوم الوطنية في العصر الحديث، حيث الأوطان يولد فيها وينشأ على ترابها أناس من عقائد شتى وأفكار متنوعة حسب تطورات المجتمعات في العصر الحديث.

وكان أول من أسس لمفهوم الوطنية في العصر الحديث هو رفاعة الطهطاوي تحت شعار مصر للمصريين أثناء ثورة عرابي، وقد أكد  الطهطاوي مفهوم الوطن والأوطان والحديث عن إخوة الوطن بموازاة إخوة الدين، وهو ما تجلى في دعوات الاستقلال التي انتشرت في دول العالمين العربي والإسلامي، ومن مؤثرات الطهطاوي في هذا الصدد قوله إن الملوك إذا تعصبوا لدينهم، وتدخلوا في قضايا الأديان، وأرادوا قلب عقائد رعاياهم، فإنهم يحملون رعاياهم على النفاق، ويستعبدون من يكرهونهم، على تبديل عقيدته، وينزعون الحرية منه، فلا يوافق الباطن الظاهر.

فمحض تعصب الإنسان لدينه لإضرار غيره لا يعد إلا مجرد حمية، وأما التثبت بحماية الدين لتكون كلمة الله هي العليا فهو المحبوب المرغوب،مؤكدا في الوقت ذاته أن مفهوم الوطن والولاء له يتبين جليا عند الإنسان العاقل، وقد جرت العادة أن البعيد عن الوطن، الذي قضى فيه جزءا من شبابه، يتشوق إليه، سواء كان من أهل البدو أو من أهل الحضر، وهو بذلك المفهوم وتلك الرؤية يلامس الطهطاوي بقوة مفهوم المواطنة والمساواة بين المواطنين ويؤسس لها كونها تبرز ابن الوطن المتأصل به، الذي توطن به واتخذه وطنا ينسب إليه، تارة إلى اسمه فيقال: مصري مثلًا، أو إلى الأهل فيقال: أهلي، أو إلى الوطن فيقال: وطني، ومعنى ذلك أنه يتمتع بحقوق بلده، وأعظم هذه الحقوق الحرية التامة في الجمعية التأنسية، ولا يتصف الوطني بوصف الحرية إلا إذا كان منقادًا لقانون الوطن ومعينا على إجرائه، فانقياده لأصول بلده يستلزم ضمنا ضمان وطنه له التمتع بالحقوق المدنية، والتمزي بالمزايا البلدية.

وهكذا أسس الطهطاوي لمفهوم الوطن فكريا وتربويا، ثم تمكن المفهوم في ما بعد بجهود مدرسة الإصلاح الإسلامي التي تزعمها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وآخرون من تأصيل مفهوم الوطنية في العصر الحديث حتى لا يصطدم لدى الإنسان بين رغبات وطنه ومتطلبات دينه.

والخلاصة التي أخلص إليها أن الوطنية ليست شعارا محض أو أنها تتعارض مع التدين وأكدت ما ذهبت إليه في عنوان هذا المقال الخطبة الأخيرة لوزارة الأوقاف حيث جاء فيها ما يلي، الوطنية  ليست مجرد كلمات تقال، أو شعارات ترفع إنما هو سلوك وتضحيات بكل غال ونفيس، فالوطنية الحقيقية تعني حسن الولاء والانتماء للوطن، والحرص على أمنه واستقراره، وتقدمه، ورقيه، كما تعني الالتزام الكامل بالحقوق، والواجبات، فالوطنية الحقيقية فداء، واعتزاز بالوطن، لأن الوطن يستحق منا التضحية لأجل عزته ورفعته وحفظه.

واختم كلامي بالقول أنه ليس هناك تعارض البته بين الوطنية الحقيقة والتدين الصحيح، بل هما متكاملان لبعضهما، ونرى ذلك واضحا في حب رسول الله لمكة رغم إخراج أهلها له ومحاربته إياه في دعوته، فلا نقيس المواطن على دينه لأن الاختلاف في الدين سنة كونية ومن أجل ذلك خلقنا الله فالتعايش بين البشر على أرض الوطن وليس على معتقد الدين.

تابع مواقعنا