الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أمامكم ريان.. أنقذوه

الأحد 06/فبراير/2022 - 02:29 م

تابع العالم بأسره حادث الطفل المغربي ريان، ابن الخمس سنوات، الذي سقط في بئر ماء جافة بعمق اثنين وثلاثين مترًا، وتعاطى الجميع مع الحدث بالدعاء من أجل إنقاذه، بظهر الغيب، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، وبدا أن المشاعر الإنسانية تجاوبت معه، ودفع أمل إنقاذ الطفل الكثيرين إلى تلقف وتناقل أنباء خطأ عن إنقاذه ونجاته وعودته سالمًا لوالديه؛ قبل استخراجه من البئر.


زاد من إشفاق الناس بقاء الطفل في البئر خمسة أيام، لم يستطع المسعِفون خلالها إمداده بأيٍّ من مقومات الحياة إلا أنابيب الأكسجين، وظل الجميع يحبس أنفاسه في ترقب، حتى أُعلِن الخبرُ الرسمي بإخراج الطفل ريان من البئر حيًّا، ونقله إلى المستشفى لإنعاشه. 


وبمقدار التضامن، وبمقدار مشاعر التعاطف والإشفاق التي بدت من الجميع أثناء عملية الإنقاذ؛ انطلقت عبارات اللوم والنقمة على المغاربة وعلى المنقذين، بعد إعلان السلطات المغربية موت الطفل عقب عملية إنقاذه؛ باعتقاد أن ريان مات نتيجة الإهمال من أسرته، والإهمال من المنقذين.. بل ظهرت عبارات تنعتهم بالفقر والتخلف والجهل، والمكابرة لرفضهم مساعدات خارجية في إنقاذه، ورأى البعض أنهم حرصوا على الشو الإعلامي بإطالة مدة الإنقاذ.

 

قد يكون ذلك اللوم له وجاهته، ونابعًا من اعتبار اللائم أن الطفل الفقيد ابن له؛ لكن الغفلة عن الأطفال والانشغال عنهم ظاهرة موجودة لدى الكادحين في كل أنحاء العالم، واحتمالية الفشل في عملية إنقاذ شخص لا يختص بها بلد دون سائر بلاد العالم، ويبدو لي أن المنقذين رأوا أن موته بطول مدة بقائه في البئر أهونُ عليهم من موته على أيديهم بينما يحاولون إنقاذه، فحجم البئر وطبيعة التربة كانا عائقين كبيرين، وسقوط حجر أو كمية من التراب كان كفيلًا بإنهاء حياته، ولو كانوا حريصين على الشو الإعلامي، فلا أعتقد أن إنقاذه حيًّا في وقت قصير كان يتعارض مع حرصهم ذاك.

 

مات ريان المغرب.. وبقي على كل شخص أسِف لموته وكان يتمنى لو كان هناك لفعل أي شيء من أجل إنقاذه؛ أن يدع المغاربة ومُصابَهم، فلا أظن أن أحدًا كان أحرص منهم على سلامته ونجاته، أو أن أحدًا أكثر حزنًا عليه منهم، ولينظر الجميع حوله فسيجد ريان قريبًا منه يواجه الموت فليحاول إنقاذه، أو على الأقل يجنبه أذاه.


هناك ريان جائع عريان في المخيمات نتيجة الفتن والصراعات، وهناك ريان محروم من أبيه القابع خلف قضبان السجن بسبب ديونٍ لم يستطع سدادها، وهناك ريان مريض فقير يتألم ولا يجد مالًا يسمح له بدخول مستشفى خاص يتلقى فيه الرعاية الصحية والعلاج المناسبين، وهناك ريان يتيم فقد أباه نتيجة الغدر، وهناك ريان محروم من دفء الأسرة بسبب خلافات أبيه وأمه.


فليعلم الموظف الذي حزن على ريان المغرب وكان يرغب في إنقاذه، أن المواطن الذي يأتيه لقضاء أمر، مسؤول عن ريان لديه، وحريص على الوقت الذي يوفر له فيه رزقه ومتطلباته.. وموت طفل مريض فوق يدي أمه وهي تنتظر تخليص أوراق إجراءات أمام شباك موظف؛ أكثر بشاعة وأشد عارًا من موت ريان المغرب في البئر.


وليعلم صاحب العمل الذي أسِف على موت ريان المغرب، أن العامل الذي يعمل عنده مسؤول عن ريان لديه في أمسّ الحاجة إلى أجره اللائق، وليعلم قائد السيارة المأسوف على موت ريان المغرب أن الرعونة والاستهتار قد يتسببان في موت أكثر من ريان أو أشخاص لدى كل منهم ريان ينتظر عودته، وليعلم المدخن في المواصلات والأماكن العامة أنه قد يتسبب في إيذاء ريان واحد أو أكثر.


وليعلم التاجر الذي حزن لموت ريان المغرب، أن الجشع وغلاء الأسعار قد يتسبب في حرمان ريان واحد أو أكثر من شيء يشتهيه، وأن تقديم السلع الرديئة قد يسبب الموت لـ ريان واحد أو أكثر، وليعلم المهندس أو المقاول أنه مسؤول عن سلامة أسر لدى كل منها ريان واحد أو أكثر، وكذلك المعلم والطبيب وكل فرد في المجتمع هو مسؤول عن ريان واحد أو أكثر.

فيا كل فئات البشرية وأطيافها.. اجعلوا من ريان المغرب رمزًا للطفولة البريئة المعذبة في كل أنحاء العالم، التي تستوجب تعاطفكم وإشفاقكم.. فكل منكم قد يكون أمامه ريان يواجه الموت.. فلينقذه.

 

تابع مواقعنا