دار ابن لقمان الشاهد على التاريخ.. هنا سطر شعب المنصورة ملحمة فدائية | صور
في فبراير عام 1250، كتب أهالي مدينة المنصورة نهاية الحروب الصليبية، بعد معركة قوية لقنوا خلالها العدو الفرنسي درسًا عظيمًا في الفدائية الشعبية، وسطروا تاريخًا ما زال يُحكى حتى الآن.
في منتصف مدينة المنصورة، وتحديدًا بشارع بورسعيد يقع دار القاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان، الشاهد على عبق التاريخ واللحظات المجيدة في تاريخ مصر ضد الغزاة، هنا أسر القديس لويس ملك الفرنج كما كان يطلق عليه، وخرج منكس الرأس ذليلًا، يهلل ما تبقى منه، ويخلد ذكرى انتصار شعب المنصورة في 8 فبراير.
يرجع تاريخ إنشاء الدار حسبما ذكرت المراجع التاريخية، إلى تأسيس مدينة المنصورة عام 616 هجرية - 1219 ميلادية، عندما أمر الملك الكامل بإحضار السفن المحملة بالبلاط والحجر لتأسيسها، وتم تسجيله في عداد الآثار بالقرار الوزاري رقم 10357، في 21 نوفمبر 1951.
الوصف المعماري..
بني الدار من الطوب الأحمر والمونة المثلثة، ومسقوف بسقف من براطيم وألواح خشبية، ويتكون مدخل صغير، وباب خشبي كبير يتوسطه باب أصغر منه يطلق عليه خوخه، ويعلو المدخل نافدة صغيرة يغشيها خشب الخرط، وسقف تتدلى منه بعض المصابيح الزجاجية المنقوشة بعبارات إسلامية.
يلي المدخل طرقة مستطيلة تقودنا إلى ممر له مدخل ذو عقد نصف دائري، يؤدي إلى الحجرتين الموجودتين بالطابق الأرضي، كما يوجد في نهاية الممر سلم بدرابزين خشبي صعد عليه لويس التاسع مكبلًا بعد هزيمته المريرة، وصعد للغرفة العلوية محني الظهر.
اتبنت تلك الغرفة لصاحب الإنشاء فخر الدين ابن لقمان، وهي حجرة مستطيلة بها شباك كبير من الخشب الخرط، كان يطل على النيل مباشرة قبل الزحف العمراني، ويتوسطها كنبة وصينية أثرية، كما يوجد في الجدران دواليب حائطية يغلق عليها ضلف خشبية، وشباكين جرارين.
وعلى جوار الشباك، يوجد تمثالًا للويس التاسع وهو يجلس على كرسي من الخشب الزان مصمم على الطراز الإسلامي، ويجاوره تمثال الطواشي صبيح، والذي كان مكلفًا بحراسته طوال مدة أسره.
مقتنيات الدار..
في عام 1960، افتتحت وزارة الثقافة القاعة المتحفية بالدار، وذلك في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والتي تؤرخ تاريخ الحملات الصليبية، وبسالة المصريين في التصدي لها، وتضم لوحات فنية، وقميص حديد وسيوف مصرية وفرنسية، وسكاكين وخناجر خاصة بالأهالي، وخوذة مصرية من النحاس المؤكسد.
كما يوجد خريطتان، الأولى تبين هجوم الحملة السابعة في الفترة من 4 يونيو 1249 ميلادية حتى 7 مايو 1250، والثانية توضح انسحاب الحملة بعد هزيمتها في عدة معارك، منها معركة المنصورة 8 فبراير 1250 ميلادية، ومعركة البحر الصغير 15 مارس 1250 ميلادية، ومعركة فارسكور بدمياط 6 أبريل 1250 ميلادية، وهزيمة الصليبين على يد الجيش المصري، وأسر لويس التاسع في قرية ميت الخولي عبدالله.
المصريون للويس: لا بغى علينا باغ إلا دمرناه
ومن بين المقتنيات التاريخية أيضًا نص خطاب لويس التاسع الذي هدد فيه بالحرب والوعيد للمصريين، وخطاب رد المصريين عليه، وتضمن عبارات الاستعداد والثأر، ومنها الجملة الشهيرة: ما قتل منا قرن إلا جددناه، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه، فلو رأت عيناك أيها المغرور حد سيوفنا، وعظم حروبنا، لكان لك أن تعض على أناملك بالندم.
كما يوجد تمثال الفارس المصري، ولوحة معركة المنصورة للفنان عبدالعزيز درويش، والتي توضح بسالة المقاومة الشعبية الشاملة ضد المحتل، ولوحة تمثال لويس التاسع أسيرًا وبجواره الحارس الطواشي صبيح، بالإضافة إلى نص القصيدة التي كتبها الشاعر المصري ابن مطروح، بعدما هدد لويس التاسع بالعودة والانتقام، فكتب له قائلًا: قل لهم إن أضمروا عودة لأخذ ثأر أو لعقد صحيح دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح.
فدية لويس التاسع..
ظل لويس التاسع أسيرًا بالدار لمدة 22 يومًا، حتى قرر حسام الدين بن أبي علي الهزاني، نائب السلطنة في مصر حينها، أن تدفع فرنسا فدية ذهبية لباقي أفراد الجيش والأسرى بوزن قائدهم، وقدرت بـ440 ألف ليرة ذهبية، فيما سلم لويس مدينة دمياط والأسرى المصريين، وتعهد بعدم العودة لمصر مرة أخرى، وغادر في 7 مايو 1250 يجر أذيال الخيبة.
8 فبراير عيد الدقهلية القومي
يعد دار بن لقمان الأثر الوحيد الباقي من العصر الأيوبي، وتحول اسمه لمتحف المنصورة القومي عام 1997، وذلك بعد تطويره من قبل وزارة الآثار والمركز القومي للفنون التشكيلية، وفي عام 2011، أجريت له أعمال ترميم بعد تدهور حالته الإنشائية، وتم فتحه للزيارات للمصريين والأجانب برسم دخول، باعتباره شاهدًا على دور أبناء عروس النيل البطولي في مواجهة الغزو الصليبي.