ذاكرة الأمثال.. بعت جاري لم أبِع داري
لا ينتبه الكثيرون إلى قيمة الأمثال بما تنقله لنا من خلاصة تجارب القدماء، فتتيح لنا أن نتزود بالخبرات الحياتية، ونأخذ منها العبر والدروس، وأن نتبع الصواب، ونتجنب الخطأ الذي وقعوا فيه.
وتاسيسا على ذلك فمن الخطأ الكبير الاعتقاد أن الأمثال مجرد أقوال؛ يتم استدعاؤها للفكاهة والتسلية، لأنها تمثل ذاكرة تجسد هوية الأمم، وجذورها الضاربة في عمق التاريخ، فيمكن الاستدلال على قدم حضارات الأمم وتاريخها من خلال قدم الأمثال الموروثة عنها.
من الأمثال العربية القديمة قولهم بعت جاري لم أبع داري وهذا المثل يُضرب للرجل الذي يترك داره لسوء معاملة جاره، فتستحيل الحياة في جواره فيبيه داره وينتقل إلى دار أخرى بسبب جاره السيئ هذا.
بلغ السيل الزبى
من الأمثال العربية القديمة أيضا قولهم: بلغ السيل الزبى، وقد أورد المثل أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال، ويضرب هذا المثل عندما يبلغ الأمر أقصى غايته من الصعوبة والتعقيد، ويشرح أبو هلال العسكري المثل، موضحا أن الزبية - مفرد زبى- هي حفرة تحفر في الأرض وتغطى ويُجعل عليها طُعم فيراه السبع من بعيد، فيأتيه فإذا استوى عليها انقض غطاؤها، فيهوي فيها، فإذا بلغها السيل فقد بالغ.
ومما جاء في ضرب هذا المثل ما كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أما بعد فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين وطمع فيَّ مَنْ لا يدفع عن نفسه.