شطرنج بوتين في أوروبا
في ليلية وضحاها باتت أوكرانيا همنا الأول والأخير نستيقظ يوميًا متسائلين هل نشبت الحرب؟.. لكن من يمعن التدقيق في حديث رؤساء روسيا وأوكرانيا وأمريكا وأوروبا، يرى أن جميع الأطراف تريد الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الجيوسياسية دون إراقة قطرة دم واحدة من دماء أبناء جلدته، ففي أقصى الشرق دب روسيا يترصد مهددًا بالحرب واستخدام السلاح النووي لإبعاد ترسانة أمريكا والناتو عن محيطه، وليس أوكرانيا فقط، باستخدام مهاراته في لعبة الملوك «الشطرنج بين الشعوب»، وبايدن حفيد العم سام يروج للحرب صباحًا ومساءً وكأنه يدعو بوتين للإسراع في الدخول إلى أوكرانيا.. بايدن عاوز الحرب؟
بوتين حفيد قياصرة روسيا الذي لا يستطيع أحد إيقافه في الوقت الحالي بدأ تهديداته للغرب بالتحذير من توجه أوكرانيا للغرب وضمها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.. عشان ميبقاش سلاح أمريكا النووي جنبه.. حشد بوتين أعدادا من جيش أحفاد القياصرة وزحف بهم إلى قرب الحدود الأوكرانية، لتتلقف أوروبا رسالة بوتين مهرولة إلى موسكو في زيارات مكوكية لقادة دول حلف شمال الأطلسي أو من خلال اتصالات هاتفية مطولة استرضاءً لدب روسيا لمنعه من كبس زر الحرب التي قد لا تدع على أرض أوروبا بشرًا إن نشبت، ليس لأجل أوكرانيا فقط وإنما خوفًا أيضا على أمنهم الجغرافي من اقتراب بوتين وريث الاتحاد السوفيتي إلى حدودهم، وعلى أمنهم الاقتصادي خاصة أن روسيا تمد أوروبا بنحو 40% من الغاز الطبيعي –أول جنود شطرنج بوتين- عبر الخطوط المختلفة، والتي يمر بعض منها عبر أراضي أوكرانيا.
أمريكا تريد الحرب أيضًا.. وتسارع من جانبها لتأمين غاز لأوروبا من خارج موسكو ملقية بثقلها الاقتصادي للتحرك في شتى أرجاء الأرض لتأمين احتياطات غاز طبيعي إلى أوروبا من خارج بلاد القياصرة، يطمئن الغرب وتأخذ أصواتهم في الارتفاع بالتهديد والوعيد لشن حرب معادية حال غزو روسيا لأوكرانيا ويرسلوا جنودهم إلى محيطها لكنهم دأبوا على التأكيد بالوقوف بجنودهم على حدود أوكرانيا حالهم كحال الروس ولا يدخلون إلى أراضيها، معلنين تأمين أنفسهم أولا قبل أوكرانيا التي قد تكون مسرح العلميات العسكرية، يتفهم بوتين الخطوة الأوروبية، ويبدأ في التهدئة بتصريحات دبلوماسية، خلال استضافته المستشار الألماني، بأن بلاده تريد الحل سياسيًا ولكن بضمان أمنها القومي المتمثل في عدد من الشروط الأمنية، ويعلن تحريك قواته من مناورات في غرب روسيا بالقرب من حدود أوكرانيا إلى ثكناتها...
لكن أمريكا وشقيقتها بريطانيا تصران على أن بوتين يواصل الاستعداد للحرب موجهين التهديدات لقيصر روسيا المنتشي بقوته، بإنه سيتم الرد على هجومه العسكري ضد أوكرانيا حال حدوثه، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة «وهنا أمريكا تطرح جندي كبير على طاولة الشطرنج» لأن أمريكا هددت بإمكانية طرد روسيا من نظام سويفت – نظام تمكين المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم من إرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات في بيئة آمنة وموحدة وموثوقة_ وإدخال روسيا في عزلة اقتصادية عالمية تهدد استمرار اقتصداها وتهدد بانهياره.. بوتين يضحك ماكرًا على الجانب الأخر قائلا: سنبدأ منوارات نووية لنا، وباطنه يقول لأمريكا كش ملك على طاولة الشطرنج لا تنسوا أننا نمتلك ما يقارب نصف القوة النووية في جميع أنحاء العالم، وقادرين على إبادتكم وإبادة الأرض في دقائق.
تعاود أمريكا مراوغة بوتين مجددًا وتقيم مؤتمرات ومباحثات لحشد العالم في وجه بوتين، ووصمه بأنه يريد خراب العالم وتدميره وتجويع البشرية حال الحرب بسبب ارتفاع أسعار جميع المستخدمات البشرية وغير البشرية، لكني أرى أن بايدن يريد إرغام بوتين على الدخول في حرب أوكرانيا لتركيعه وترويضه وإضعافه بعزله ماليًا وسياسيًا عن العالم وتوجيه ضربات عسكرية مختلفة له ولكن بأيدي أخرين عبر أبناء أوكرانيا أو أبناء دول أوروبا المقاربين لحدود أوكرانيا مع مشاركة أبنائها إن لزم الأمر ذلك، لتتمكن من إنهاء إمبراطورية قيصر روسيا والانفراد بغريمها الاقتصادي الصين.
بوتين يراوغ أيضًا باستدعاء جنوده الاحتياط وكأن لسان حاله قائلا «عليا وعلى أعدائي» والبدء في مناورات نووية استراتيجية باستخدام صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق كل أوروبا وأمريكا، إلى جانب تأجيج الأوضاع في شرق أوروبا عبر مناوشات واشتباكات من قبل الانفصاليين الموالين له شرق أوكرانيا للضغط على أوكرانيا للتخلي عن حلم حلف الناتو، وإرغام أوروبا على إعلان تخليها عن أوكرانيا.. لكن بوتين الماكر يضغط في أوكرانيا ويشير بإصبعه إلى بولندا التي تتواجد بها قائدة أمريكية ضخمة قائلا: ممنوع السلاح الأمريكي هنا. باشتراطه تفكيك البنية التحتية لحلف الناتو وأمريكا الموجودة بالقرب من حدود بلاده في شتى دول شرق أوروبا المتاخكة لحدوده والتي كانت في الزمن القريب خاضعة لحكم أبائه في الاتحاد السوفيتي، مطالبًا بتأمين كامل منطقته على طاولة الشطرنج المرسومة على أراضي القارة الأوروبية.. ليبقى العالم في انتظار من ينتصر بجولة بوتين وبايدن في حرب باريدة قديمة متجددة ما بين شرق الأرض وغربها.. دون الوصول إلى أول رصاصة في الميدان.