تسرب للمياه وهبوط في الهيكل.. هل ينهار سد النهضة الإثيوبي؟ | تقرير
تساؤلات كثيرة تراود المصريين والسودانيين بشأن سد النهضة، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: هل ينهار السد الإثيوبي المتوقع أن يحجز 74 مليار متر مكعب بعد الانتهاء من الملء؟ وما تأثيراته على دولتي المصب في حال الانهيار، خاصة السودان الذي يبعد عدة كيلومترات فقط عنه؟.
فرضيات غير مؤكدة تتعلق بحدوث تسريب في سد النهضة، وكذلك هبوط وتشققات، انتشرت خلال الأيام الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، زادت من الجدل الدائر حول أمان سد النهضة، والذي لم تكشف عنه إثيوبيا حتى الآن.
مصر والسودان تطالبان بإجراء دراسات كافية عن معدلات أمان سد النهضة والإفصاح عنها، لكن إثيوبيا تؤكد شفهيا أنها أجرت هذه الدراسات، وأن السد آمن، مستبعدة فرضية انهياره أو تأثره بالعوامل الجيولوجية في منطقة بنائه.
وأفادت مخرجات لجنة الخبراء الدوليين لسد النهضة، بوجود مشكلة في أمان السد، وكذلك وجود دراسات غير مكتملة، ووضعت مجموعة توصيات؛ لمعالجة المشكلات الفنية وأمان السد، أوضحت خلالها أن الجانب الإثيوبي لم يُجري دراسات متعمقة، تسمح للجنة بوضع رؤية علمية عن حجم الآثار المتوقعة ومدى خطورتها على دولتي المصب حال انهيار السد.
تقرير اللجنة الدولية عن سد النهضة.. وتحذيرات مصر والسودان
وإلى جانب تقرير اللجنة الدولية، وتحذيرات مصر والسودان؛ فإن دراسة سابقة، أجراها فريق بحثي عام 2021- يرأسه أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض، المصري المقيم في أمريكا، الدكتور هشام العسكري، وضمت أيضا وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي، و7 باحثين آخرين- رصدت هبوطا في سد النهضة.
هبوط ونزوح في هيكل سد النهضة
واعتمدت هذه الدراسة على تحليل صور الأقمار الصناعية، حيث كشفت حدوث هبوط ونزوح في هيكل سد النهضة، والسد المساعد له، المعروف باسم: سد السرج، مؤكدة أن ملء سد النهضة لا يؤثر على هيدرولوجيا حوض النيل الأزرق وتخزين المياه وتدفقها فحسب؛ بل إنه يشكل أيضًا مخاطر هائلة، في حالة الانهيار.
وأظهرت نتائج تحليل البيانات الزمنية المتعددة حول منطقة المشروع، وحولها، هبوطًا غير متسق في أطراف السد الرئيسي لسد النهضة، وسد السرج المساعد، إذ بلغت قيمة الإزاحة 90 مم تقريبًا، خلال فترة الدراسة بأكملها (20 مم / سنة تقريبًا) للسد الرئيسي، بينما تبلغ قيمة الإزاحة الإجمالية لسد السرج 380 مم تقريبًا خلال نفس الفترة، أي (85 مم/ سنة).
تسريب للمياه في سد النهضة
هذه الدراسة ليست الوحيدة التي حذرت من فرضيات عدم أمان السد، لكن أيضا خبيرة السدود الدولية، الدكتورة هايدي فاروق عبد الحميد، أشارت إلى أن صور الأقمار الصناعية، أكدت وجود تسريب للمياه في سد النهضة، في ظاهرة تُدعى seepage؛ حيث تخلق المياه ذات الضغط العالي ببحيرة سد النهضة، قنوات تحت الأرض، للتسرب إلى مجري النهر، في اتجاه سد الروصيرص بالسودان.
وأوضحت خبيرة السدود الدولية، عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، أن أرضية بحيرة سد النهضة، فشلت في مقاومة الضغط المائي الحالي أمام السد، وبدأت تسريب كميات ضخمة من المياه من تحت أساسات السد، أضيفت إلى التدفقات المارة فوق الممر الأوسط باتجاه السودان.
لكن هذه الفرضيات لا زالت غير مؤكدة، وتلقى عدم تأييد من بعض الفئات التي ترى أن نسبة هبوط ونزوح هيكل السد، ليست كبيرة، وتأثيراتها لا يمكن أن تؤدي إلى انهيار السد، وكذلك فيما يتعلق بظاهرة تسريب المياه، لم يتضمنها بحث علمي حتى الآن.
خبراء وباحثون للمياه والجيولوجيا، قالوا: إن فرضية انهيار سد النهضة، مطروحة في الأوساط العلمية والسياسية، خاصة في ظل عدم وجود دراسات حول أمان السد، رغم المطالبات المصرية السودانية بذلك.
أمان سد النهضة
وقال هاني إبراهيم، الباحث في الشأن الإفريقي، إنه فيما يتعلق بمسألة أمان السد بشكل عام؛ تضمن تقرير لجنة الخبراء الدولية الصادر نهاية مايو 2013، توصيات عديدة، من بينها: ضرورة تحديث إثيوبيا للدراسات والمعايير المتعلقة بشأن الظروف الجيولوجية والجيوتقنية والسيزمية والمائية الجيولوجية والهيدرولوجية والهيدروليكية السائدة في موقع السد، ولذلك تضمن اتفاق مبادئ سد النهضة، بندًا، يتعلق بأمان السد، وضرورة تنفيذ توصيات تقرير لجنة الخبراء، وهو البند الثامن، الذي تضمن، أنه: على إثيوبيا استكمال التنفيذ الكامل للتوصيات الخاصة بأمان السد الواردة في التقرير.
وأوضح الباحث في الشأن الإفريقي، لـ القاهرة 24، أن دراسة بعنوان Design and construction of composite cut-off system at Grand Ethiopian Renaissance Dam، Ethiopia، نشرها المكتب الاستشاري الإيطالي المنفذ لمشروع السد، تضمنت وجود بعض المناطق الضعيفة، والتي تسمح بنفاذية عالية من المياه في اتجاه دول المصب، من جهة سد السرج المساعد؛ بما يؤدي إلى تسريع تآكل التربة في تلك المناطق.
وأضاف هاني إبراهيم، أن هذه الدراسة أشارت إلى بعض الإجراءات التي تم استخدامها؛ للتغلب على تلك المعضلة، من خلال وضع حاجز في قاعدة سد السرج، لمنع التسرب، وأعمال حقن في التربة بحوالي 1500 طن أسمنت، لكن ما زالت هناك منطقتين ضعيفتين، الأولى تبدأ عند منسوب 575 مترا فوق مستوى سطح البحر، وهو ما لم تصل إليه تعلية السد إلى الآن، أما الثانية عند منسوب 595 مترًا فوق مستوى سطح البحر، مع وصول المياه إلى سد السرج.
وذكر الباحث، أنه وفي المقابل، لا توجد أي تقارير قدمتها إثيوبيا إلى الآن، بشأن نتائج اختبارات التسرب خلال التعليتين الأولى والثانية للسد؛ لرفضها التنسيق في تبادل البيانات، بما يرجح احتمالات ارتفاع معدلات التسريب من السد، وفقدان كميات ضخمة من المياه؛ مما يؤدي إلى تضرر دولتي المصب من جهة، بشأن تلك الفواقد التي تضاف إلى فواقد أخرى تتعلق بالبخر وتشبع الصخور بالمياه في محيط بحيرة السد، كما يهدد إثيوبيا؛ بشأن الجدوى الاقتصادية للمشروع.
سد النهضة يهدد حياة 20 مليون سوداني
بينما أكد الدكتور أحمد المفتي، أستاذ القانون الدولي السوداني، العضو السابق في وفد الخرطوم بمفاوضات حوض النيل، أن غير القانونيين يختلفون حول أمان سد النهضة، ولكن إثيوبيا يسرت الأمر للقانونيين، موضحا أنها أكدت في المبدأ رقم 8 من إعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015، أنها ملزمة بـ استكمال أمان السد، على الرغم من أنها سبق لها أن أنفقت على أمان السد، مبالغ مقدرة؛ استجابة لتوصيات اللجنة الدولية في تقريرها الذي أصدرته عام 2013، ولكن لم يكتمل أمان السد.
وأوضح أستاذ القانون الدولي السوداني، لـ القاهرة 24، أن ذلك الالتزام الموثق؛ يؤكد بنسبة 100% أن السد غير آمن، ولذلك لم يجد وزير الري السوداني السابق، المهندس ياسر عباس، حرجا في التصريح على رؤوس الأشهاد، بأن سد النهضة يهدد حياة 20 مليون سوداني.
وشدد المفتي- المستقيل من منصب عضو اللجنة الدولية لسد النهضة- على أن كل سوداني أيَّد سد النهضةالمستقيل من دون أن يشترط استكمال أمان السد؛ فإنه يتحمل مسؤولية أي ضرر يصيب أي سوداني من عدم استكمال أمان السد، الذي يُهدد 20 مليون سوداني- حسب قوله-.
