الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لماذا نصدق الإسراء والمعراج؟

الإثنين 21/فبراير/2022 - 04:49 م

في كل عام تمر علينا ذكرى الإسراء والمعراج وتمضي في سلام إلا في هذا العام، فجاءت بجلبة من بعض الأوغاد، الذين يشككون في الثوابت الدينية،  ولا يرقبون فيها إلا ولا ديانة ولا ذمة، فتسارعوا إليها بالتسفيه والتشويه، والتكذيبٌ والإنكار، وخلط الأوراق والتبجُّح بالشَّنار.

على أنَّ المعهود على العلماء وكُتَّاب السير خلافُهم المقبولُ في كيفية وقوع هذا الحدث: أوَقعَت بالروح والجسد أم بأحدهما؟ وكان هذا هو أقصى خلاف لربما أوقع المتكلمين في حربٍ وسجالٍ، ويتراشقون بالدليل والبرهان، وينتهون منه دون رمي أحدهم بالكذب ولا البهتان، لأنه خلاف سائغ مشروع.

أما أن يخرج علينا من به عُنَّةٌ في عقله وفكره، ليرد الحادثة بأصلها وتفاصيلها، وينكر ثبوتها ووقوعها؛ فما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق، ولذلك أردتُّ أن أسأل: لماذا نُصدِّق الإسراء والمعراج؟ وأجيب عن ذلك في نقاطٍ:

أولا: لأنه ثابتٌ بالقرآن والسنة، وكل ما ثبت بالقرآن الكريم وأيَّدَته السنة فهو واقعٌ وصادقٌ، أما عن الإسراء فقال الله –تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]، وقال في المعراج: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 12 - 15] أي: أفتجادلونه فيما رآه في المعراج؟ لقد رأى جبريلَ مرةً أخرى على صورته الحقيقية، لكنَّ هذه المرة كانت في السماء العليا، عند سدرة المنتهى، وهي شجرة نبق بالقرب من عرش الرحمن –تبارك وتعالى-، كما أنها بجوار الجنة، التي يأوي إليها المؤمنون في نهاية مصيرهم.

فهذه الآيات وغيرها كثير، تدل على وقوع الإسراء والمعراج في القرآن الكريم، وهو دليل قطعيٌّ لا يدع مجالا لريبة مرتابٍ أن يقع فيه باعتراض أو إنكار، ومعلوم أن مُعارض القطعي ساقطٌ، وكلامه مردودٌ عليه.

ثانيا: أن هذا ثابتٌ بإجماع الأمة، ولم يحدث أن أحا أنكره أو اعترضه، والإجماعُ حجةٌ قاطعة، كما قرره العلماء، والأصل في ذلك قول الله –تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] والمعنى: ومن يخالف أمر الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به من عند الله، من بعد ما ظهر له الحق بالمعجزات الواضحة، وسلك طريقا غير طريق المؤمنين، ومنهاجا غير منهاج المرسلين؛ نتركه مع اختياره الفاسد، ونُصلِه جهنم جرَّاء اختياره وسوءِ قراره.

وهذا يدُلُّ على أن الإجماع حجةٌ معتبَرةٌ، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فلِأن يأتي ساقطٌ في الأساس يريد أن يخرق ما أجمعَت عليه الأمة سَلفًا وخَلفًا، فعلينا أن نعامله معاملة الفُسَاء والضُّرَاط، بأن نسُدَّ عنه أنوفنا وآذانَنا، ولنتوضأ منه وضوءَنا للصلاة وقراءة القرآن.

ثالثا: الإسراءُ والمعراجُ (معجزةٌ) ربانيةٌ، جرت سنة الله –تعالى- فيها أن تكون أمرًا خارقًا للعادة، لا تُقاس على عقول البشر القاصرة، وضعها الله –تعالى- للإعجاز والتحدي، وجعلها دليلا على صِدقِ دَعوَى النبيِّ المُرسَل، فتُصَدَّق من هذا الجانب.

وحياتُنا الماديةُ التي يحياها الناس اليوم خليقةٌ بألا تُنكِرَ ذلك عقلا، لِما تراه من أناس يركبون الهواء بالطائرات، ويصعدون على سطح القمر، ويتواصلون مع أناسٍ في مشرق الأرض وهم في مغربها عبر هواتف هوائية نقالة، وغير ذلك مما لا يخفى على ذي عين باصرة؛ فإذا رأينا ذلك الذي هو من صنُع البشر، أفنُنكِرُه على مالك القُوَى والقُدَر –سبحانه-؟ إنا إذًا لظالمون!!

رابعا: إن ما نراه على الساحة اليوم، من إنكارٍ تامٍّ لحادثة المعراج ورَدِّها بكُليَّتها، لَهُو شاهدُ صدقٍ على القرآن الكريم، إذ جاء فيه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] أي ابتلاءً واختبارًا لهم، ليُعلمَ الصادقُ من الكاذب، والمؤمنُ من المنافق، ويمتاز الخبيثُ عن الطيب.

وهذه الفتنة ليست في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصةً، بل هي باقيةٌ إلى يوم الناس هذا، وممتدةٌ إلى يوم التغابن، وإلا فها نحن بعد أربعة عشر قرنا من الزمان، ولايزال الحادثُ يفتن الناس في إيمانهم، ويوقعُ بينهم التمايزُ والتباينُ، ما بين مصدق به، ناهل منه الدروس والعبر، وآخر مكذب لا انتفع به ولا انتقع.

ولذلك فإني أهيب بكل مسلم أن يعتقد أنه عضوٌ في جسم هذه الأمة، عليه أن يتعاون هو والمجموع في المحافظة على المِلة القَيِّمة، ويعتقد أنه لَبِنَة في بناء الأمة المؤمنة، عليه أن يعمل على سلامتها من الزَّغَل والدَّغَل، والافتراء والكذب، وأن يقفَ في وجه أولئك الأنكاد، الذين يَكذِبون على الله ورسوله ولا يتثبَّتون، ومن إفكهم يَهرفُون بما لا يعرفون، ويُسرفون في تخطئة القرآن والسنة ولا يَستَحُون، فوَيلٌ لهم من يومهم الذي يوعدون!

تابع مواقعنا