علي جمعة: كلام الرسول يخاطب جميع المستويات المعرفية والطبقات الاجتماعية
قال الدكتور علي جمعة، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية السابق، إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الحياة في سهولة ويسر، يخاطب بكلامه، البليغ العالم والجاهل، البار والفاجر، الرجل والمرأة، الكبير والصغير، الغني والفقير، يخاطب جميع المستويات المعرفية، وجميع الطبقات الاجتماعية، ويخاطب العالمين في كل زمان ومكان، لأنه رحمة للعالمين كما وصفه ربه، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ.
علي جمعة: لو طبقنا مضمون ذلك الكلام السهل فإننا نصل إلى أهداف غاية في الصعوبة والتركيب
وأضاف جمعة من خلال منشور عبر صفحته على فيسبوك: وفي هذا الخطاب الصالح لكل أولئك يعلمنا الحياة بكلام سهل لكنه عميق، لأنه يتميز بمميزات منها: أنه يعبر عن الحقيقة، وأنه يخاطب الفطرة في نفس الإنسان التي فطر الله الناس عليها، ومنها أنه يتوافق في عمقه مع حركة الكون، وأنه يتوافق في عمقه مع حركة التاريخ، ويتوافق أيضا مع مراد الله من كونه، والله يريد منا عبادته، ويريد منا عمارة الأكوان التي حولنا، ويريد منا أن نزكي النفس التي بين جنبينا.
وتابع علي جمعة: لو طبقنا مضمون ذلك الكلام السهل فإننا نصل إلى أهداف غاية في الصعوبة والتركيب، ما كان لنا يمكن أن نصل إليها إلا عن هذا الطريق الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للبشرية جمعاء.
وأوضح: وهذه السهولة العميقة المعقدة في مآلها ونتاجها سمة من سمات خلق الله سبحانه وتعالى، فترى البشر يتزاوجون ويدفعهم إلى ذلك شهوة مركبة يقضونها في اجتماع بشري، وفي ود وتعاطف وشعور بالانجذاب والحب، وإذ بذلك الاجتماع السهل ينتج مركبًا عجيًبا عميقًا وهو الإنسان عن طريق حمل أمه فيه، عملية ظاهرها السهولة ومآلها التركيب والتعقيد.
وواصل جمعة: والبذرة التي نضعها في الأرض فتخرج أزهارًا شتى أو ثمارًا مختلفة عملية سهلة تؤول إلى مركب عجيب عميق، بعكس فعل البشر وصناعته، فإنه يركب كثيرًا من العمليات المعقدة حتى يخرج في النهاية شيء بسيط جدًا بالمقارنة بخلق الله، فالراديو والتليفزيون يحتاج إلى دوائر وأجزاء كثيرة معقدة للغاية حتى ننقل الصوت من مكان إلى مكان أو الصورة كذلك.
واستطرد: ولما كان كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الحجة التي يرجع إليها الناس، وهو المرجع الذي تخلقون به فيقومون ببساطة بإيجاد هذه النظم سهلة البداية مركبة النهاية، كان الناس يعيشون في دفء، وحب، وسلام، وأمن، وتطور، وحضارة، وعزة، وكرامة، غبشت رؤيتها على كثير من الناس، فلما قرءوا التاريخ قرأوه بعين واحدة، يمكن أن نطلق عليها الطريقة العوراء، ولما ذهبوا لفهمه ذهبوا إليه بساق واحدة، يمكن أن نطلق عليه الطريقة العرجاء، ولذلك رأيناه في عملية انتقائية بحتة، رأوا حضارة المسلمين تخلفًا وفنونهم سذاجة، وحياتهم مليئة بالاستبداد وبالظلم، والأمر لم يكن كذلك.
واختتم جمعة: مثال ذلك أن يقرأ أحدهم كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ويظن أن المجتمع المسلم كان يعيش في حالة انحلال وسكر، أو يقرأ حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وهي تتكلم عن نفس الزمن، وعن نفس البلاد فيصف التاريخ الإسلامي وجماعة المسلمين بأنهم كانوا في عزلة وزهادة في الدنيا، والعدل أن نقرأ كل الجوانب التي حكمت المجتمع وأن نفسرها من خلال سياقاتها وزمنها والسقف المعرفي، والثقافة السائدة؛ لأنه ليس من الإنصاف أن نستعمل الطريقة العوراء أو العرجاء في التفاهم مع تراث الناس، فما بالك تراثنا وحضارتنا.
