الحرب الأوكرانية الروسية بين التفرقة العنصرية والكيل بمكيالين
في هذا المقال لست بحاجة إلى الحديث عن ما تسببه الحروب من دمار وويلات للشعبين المتحاربين، ومن قلاقل وعدم استقرار في بقية دول العالم أثناء وقت الحرب، فهذا الأمر أصبح لا يحتاج إلى بيان، فالحرب في كينونتها مرفوضة رفضا تاما بغض النظر عن أسبابها ودوافعها، وأيضا بغض النظر عن المعتدي والضحية، والذي أريد أن انوه عنه في هذا المقال العنصرية الواضحة والفجة التي ظهرت مع الحرب الروسية على أوكرانيا، فالعنصرية تجلت في ردود أفعال دول العالم الغربي وأمريكا، ذاق مرارتها شعوب العالم العربي وبقية دول ما يعرف بالعالم الثالث، وفي تساؤل يغمره شعور بالتفرقة، لماذا هذه العنصرية الفجة من قبل الدول التي تزعم إنه ا متحضرة؟! فلم يعد أحد يأبه على ما يبدو بإخفائها والتستر عليها، فأول ما أسفرت عنه حرب روسيا أوكرانيا هو التفرقة الفجة بين اللاجئين حسب جنسياتهم وخلفياتهم العرقية والثقافية والقومية وتفضيل الأوكرانيين لأنهم أوروبيون وأصحاب بشرة بيضاء وهذا ما وثقه صحفيين وسياسيين عديدين ظهروا على وسائل الإعلام الغربية في الأيام الماضية، ذكروا في تقاريرهم المتلفزة عن أوضاع النازحين الاوكرانيين ما نصه(نحن لا نتحدث عن سوريين بل عن أوروبيين يغادرون بسيارات تشبه سياراتنا، أوكرانيا ليست سورية ولا العراق ولا أفغانستان، إنها بلد متحضر وليست من دول العالم الثالث).
وفي تقرير آخر أذيع على قناة الجزيرة الإنجليزية، قال مذيعها في تقريره ما نصه (ينتمي الأوكران إلى الطبقة الوسطى، وليسوا لاجئين هاربين من دول الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا) مما أدى إلى اعتذار القناة عن التعليق العنصري من مذيعها
والكيل بمكيالين ظهر واضحا من المجتمع الدولي الذي يزعم أنه متحضر وديمقراطي، فعندما أحتلت أمريكا، العراق وأفغانستان، وقصف حلف الناتو صربيا وليبيا، لم تحترم أمريكا وحلف الناتو سيادة الدول ولم يلتزمون بالقانون الدولي، وفي الوقت ذاته لم نرى إنكار من دول مثل روسيا والصين واليابان وغيرهم أو حتى شعوب دول العالم المتحضر أي رد رافض مشابه لما نراه من ردود الفعل الرافضة وبشدة لما يحدث في أوكرانيا، وكأن شعوب العرب وإفريقيا ليسوا من جنس البشر، وهنا سؤال يطرح يطرح نفسه أين العالم الغربي المتحضر من العدوان الغاشم والاحتلال العنصري للشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عاما ؟! أين هي إنسانيتكم؟! وأين هي حقوق إنسانكم مما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وسجن وتشريد وحرمان من أدنى الحقوق الإنسانية
وهذا لا يمنعني ان أؤكد على الإدانة وبكل شدة لما يحدث من اعتداء غاشم وهمجية بربرية غير مبررة، من قِبل القوات الروسية تجاه الشعب والدولة الأوكرانية، فإنسانيتنا ترفض وبشدة أي عدوان على الدول والشعوب مهما كانت المبررات، فرفض العدوان مطلب إنساني وأخلاقي ينبع من تعاليم ديننا الإسلامي الذي أرسى مبدأ الإنسانية في اجلى صورها وذلك عندما خطب رسول الإسلام في اجتماع واسع وأثناء أداء شعيرة إسلامية مخاطبا اتباعه، في خطبة جامعة أرست قواعد الإنسانية بكل تفاصيلها سميت بخطبة الوداع، ومما جاء فيها قوله:
أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت؟، والملاحظ هنا أن رسولنا قال أيها الناس ولم يقل أيها المسلمون، فمن خلال أصحابه خاطب الناس جميعا إلى يوم القيامة، فهل رأينا إنسانية ذات مستوى رفيع وراقي مثل هذه الخطبة التي لا تضاهيها أي ميثاق من مواثيق حقوق الإنسان في عصرنا الحديث، حتى في الحروب والمنازعات كانت هناك محاذير وضعها الإسلام أثناء الحروب والقتال، تمثلت في وصايا رسول الإسلام لقادة الجيوش منها
لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، ولا عابدا في صومعته ولا امرأة ولا خادما لم يحمل السلاح، بل تعدت رحمة الإسلام الإنسان وشملت الجماد والنبات وذلك واضح في وصية الرسول الذي يمثل رئيس الدولة في عصرنا الحالي عندما قال:
ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا.
كما جاء موقف الدولة المصرية من الحرب الروسية الأوكرانية يحمل في طياته أرقى صور الإنسانية وعدم الاعتداء على الآخرين، فإن إدانة مصر للحرب كان من منطلق الإنسانية التي لا تميز بين جنس واخر،حيث رفضت مصر الحرب والاعتداء على الآخرين والتدخل في الشئون الداخلية للدول، وهذا مبدأ ثابت للدولة المصرية الجديدة التي أصبح بندا واضحا في دستوريها، جاء هذا القرار المصري رغم العلاقات الثنائية الجيدة بين مصر وروسيا والمصالح الاقتصادية الكبيرة بينهما، لأن مبدأ الإنسانية مبدأ واحد لا يتجزأ في كل وقت وفي كل مكان.