يا لحمة نية «ما تستويش»
لحمة جملي.. هو أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة "اللحمة ما بتستويش"، والحدث الذي نحن بصدده اليوم، يتابعه ملايين الجماهير، داخل وخارج مصر ومن هنا اكتسب زخمًا وأهمية للحديث عنه، كونه يتعلق بالذوق العام، ويحتار كُثر بين تصنيفه غثًّا أو ثمينًا، نظرًا لاختلاف المعطيات، وعدم وجود ثوابت، والتغييرات الطارئة التي تدور بفُلكه.
بطل اليوم بالكاد أدرك الرابعة والعشرين من عمره، تخطى المشتركون بقناته على يوتيوب مليونين وثلاثمئة ألف مشاهد، تخطت أغنيته الأخيرة -بيت القصيد والشاهد- 14 مليون مشاهدة في 192 ساعة، وهي نسبة بالنسبة لكثيرين وأولهم العبد لله صدمة، إذا لا نعرف إذا كان هذا الكم من المشاهدات حصاد إعجاب أم إعادة استماع أم شغف معرفي أم محاولة بائسة لتمييز مضمون وحروف كلمات بلا أي ملامح، ويكفي أن تتابع، عدة مقاطع لتشاركني الرأي، أو تختلف معي-وطرحي هنا للكلمات دون اللحن لأن الجمال في الأعمال عادة ما يدور وجودًا وعدمًا بين دفتي الكلمات والألحان، وظرف طرح العمل واعتبارات أخرى-:
ولّا إيه القصة؟ حبيبي يفيدني
اللي آذوك ياما حبيبي يسيبني
أخلّي الجاي ورود وشموع
يتغنّالها وبصوت مسموع
ولا إيه القصة؟ حبيبي يفيدني
اللي آذوك ياما حبيبي يسيبني
أنسّيك ماضي كله دموع
ولا ما أقدرش أسيبك موجوع
ولّا إيه القصة؟ حبيبي يفيدني
اللي آذوك ياما حبيبي يسيبني
أخلّي الجاي ورود وشموع
يتغنّالها وبصوت مسموع
ولا إيه القصة؟ حبيبي يفيدني
اللي آذوك ياما حبيبي يسيبني
أنسّيك ماضي كله دموع
ولا ما أقدرش أسيبك موجوع
صدّق عينيك، نعم تلك كلمات عمل نال الملايين من المشاهدات في ساعات، وللأمانة في وجة نظري الشخصية، فإن الكلام يصعب تمييزه وفهمه ودلالته، وبالتالي يستحيل على أن أدرك جمالا فيه أو ضعفًا.
عزيزي القارئ دعنا نذكّر بعضنا البعض بصوت مسموع عن بديهيات وأسس وثوابت وأرضية مشتركة ربما نقف عليها:
الإيقاع الصوتي هو الإيقاع الذي يمتاز كثيرًا عن إيقاع الكلام النثري المسجوع، أتحدَّث فيه عن نغمات وإيقاع تفعيلات، تلك، مثل التي تُولِّد حِسًّا جذابًا يرتبط بالموسيقى، كما درّسها لنا أساتذة الأدب والعروض والشعر وأعمدة البيان بدار العلوم -وأحيهم على ما أعطوا ويعطون- أ. د. حسن إسماعيل، أ. د. عصام خلف أ. د. شهير دكروري، فالمفترض أن تَطرَب له الأُذن، وتبلغ النفسُ به النشوة والشبق، وأتذكر مع حضراتكم بعضًا من دورِ الوزن والقافية والجرس الإيقاعي في تمييز الشعر وكذا الأغاني عن غيره من الكلام المنثور، ولا داعي لإيراد نماذجَ من بحور الشعر العربي مثلا، لعدم شَغل القارئ وتصدير الزحام نحو رأسِه المضطرب فعليا، وقد يكفي حديث المصطفى قال فيه: إن من البيان لسحرا.
نعود سابق حديثنا، الإيقاع هو إيقاع ألحان الغناء، أو المفترض كذلك وربما يصحح لي المعلومة من هو أوعى، وخلاصته، أن يُوقع الألحان ويُبيِّنها تبيينًا، وفي بعض النُّسخ ويَبْنِيها من البناء، وسمَّى الخليل رحمه الله تعالى كتابًا من كُتبه في ذلك المعنى كتابا سماه "الإيقاع".
واصطلاحًا، الإيقاع يُقصد به وحدة النغمة التي تتكرَّر على نحو ما في الكلام أو في البيت؛ أي: توالي الحركات والسكنات على نحو منتظم في فقرتين أو أكثر من فِقَر الكلام، أو في أبيات القصيدة، أو الغنوة، أما الإيقاع في الشعر فتمثِّله التفعيلة في البحر العربي، وهذا لسنا هنا بصدده في معرض حديثنا.
أيضا، يُعدّ التكرار ظاهرة فنيّة تحفيزية تثري دلالات النص، وتزيد الخطاب جمالًا وائتلافًا نسقيا، كما كرر بطلنا هنا مثلا جملة: ولّا إيه القصة؟ حبيبي يفيدني، فالمفترض أن يرتبط التكرار بالتأكيد من جانب، وبالإطناب من جانب آخر، مع ما به من خصائص يمتاز بها من الجميع. ولأسلوب التكرار أهمية خاصة إذ هو: أسلوب تعبيري يصوّر انفعالات النفس وخلجاتها، واللفظ المكرَّر فيه هو المفتاح الذي ينشر الضوء ويلقيه على الصورة، لاتّصاله الوثيق بالوجدان؛ وهو يحبّ في الوقت نفسه أن ينقله إلى نفوس مخاطبيه -هنا بالغناء لا بالشعر- فالبطل لا يغني شعرا؛ فهو ليس كوكب الشرق ولا عبد الوهاب، ونقدر المعطيات والمتغيرات، وإن كانت هناك محاولات لغناء الراب نجحت، وعلى سبيل المثال مروان بابلو، وأحيانا قد يخطر ببالي أغان لفنانين معاصرين ويستهويني لحنهم ، ك أمير عيد مثلا،والموسيقيون ربما يميزون ويوضحون تفاصيل جمة تفرق بابلو عن غيره، إذ يكفيه محاولة إرساء مبادئ جديدة لإحياء الفلكلور_ جزئيا والترويج لمواقع تصوير حقيقية داخل أعماله، أو أقلها أنه يغني كلامًا بفهمه المعجبون.
وربما نجد كثيرين اتُّخذوا التكرار وسيلة لتحقيق الموسيقى، التي ربما تكون أقوى وسائل الإيحاء، وأقربُ إلى الدلالات اللغوية النفسيّة في سيولة ألحانها.
رواج نماذج تتبنى الاتجاه ذاته، واستهدافها الرواج -الرواج فقط ليس إلا- معطيات كارثية ربما تفضي بنا إلى نتائج تستهدف غياب الذوق عن المشهد تمامًا وربما تؤدي إلى:
- وجود نماذج تضاهي "شيماء" واعتبارها وتصنيفها كأيقونة فنية فريدة، نظرًا لغياب المحتوى، والكلمات، فقط أشباح تتحرك، وكاركتر كوميدي، ومأمأة في الأفق تلوح.
- تراجع دور النقابات والكيانات المنظمة للأعمال الفنية عمومًا أمام طوفان وثالوث "الترند- الناس عايزة كده- خلي الأرقام تتكلم".
- ظهور جيل -للأسف- قد لا يدرك أي أبعاد للكلمة ودلالتها سواء كانت في غناء أو كلمة أو تحية أو أي مظهر من مظاهر الحياة «وربما لا أكون مبالغًا أو مخطئا وأتمنى ذلك لأن الصورة أضحت قاتمة تمامًا.
وأخيرا وليس آخرا، أترك القارئ مرة أخرى مع كلمات لعمل مختلف مع بطلنا فربما أكون تحاملت عليه في الأولى، وربما يدرك القارئ معها هدفًا أو جمالا أو قصة يحكيها البطل كما كنا نسمع في الحواديت "إن الست حكت حكاية في فكروني مثلا"، أو فيروز حينما حكى مقربون أنه في إحدى المرات تأخر عاصي على موعده معها، وكان قد طلب منها انتظاره ليذهبا للتسجيل، لتظل عشرين عامًا بعدها تؤنب عاصي وتذكّره بما جناه حين تركها تحت المطر بانتظاره، وكانت النتيجة أغنية حبيتك بالصيف. أو عبد الوهاب في لا تكذبي وغيرها.
كلمات أرجو من يميز دلالتها أن يرسلها لي ربما انا المخطئ:
باجي وفي إيدي الرضعة عشان أغذي النونه
في الحرب دي أنا على وضعي مجيتش راجي في هدنة
بتهلفطوا بتقولوا إيه يعني يا ريتها جابت جملة مفيدة
بتلك أكنك معفي أكن الضربة بتاعتي بعيدة
عامل ليه فزلوكة مابل راب بفلو الشكشوكة
أجيب أوتو جن وأسيب سكسوكة
وأعامل الدنيا كما تقول سوكا
كيفي كده، كيفي هنا
واللي أقوله هنمشيه
كيفي كده، كده كيفي هنا
زميلي موقعي ده مفيش جمبيه
(كيفي كده (كيفي كده) كيفي هنا (كيفي هنا
(واللي أقوله هنمشيه (هنمشيه
كيفي كده، كده كيفي هنا
زميلي موقعي ده مفيش جمبيه
عزيزي “اليابس” -معنى اسم البطل لغويا بالمصادفة يفضي إلى الجفاف- ربما يتبقى وقت كي تنضج وينضج عملك ورأسك وربما وقتها تقدم ما هو مختلف وتتراجع عما قدمته أو يتغير رأيك فيه.
وربما يكون للحديث بقية..