الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

عن الحب والحرب.. رحلة إجلاء من رحم المعاناة| الحلقة الأولى

القاهرة 24
تقارير وتحقيقات
السبت 12/مارس/2022 - 04:55 م

ستنتهي الحرب ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل، لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن.. هكذا وصف محمود درويش معاناة الشعوب أثناء الحروب، فالشعوب وحدها من تعاني ويلات الحرب، أكثر من غيرها.

ينعم موريس كوريه المواطن الأوكراني، ذو الأصول السورية بحياة هادئة، منذ انتهائه من دراسته في سوريا عام 2012، وجاء إلى أوكرانيا خصوصًا لخاركوف ليواصل حياته الهادئة السعيدة، مع إخوته وخطيبته التي يخطط للزواج منها في أقرب وقت، ولكن يوم الرابع والعشرين من فبراير الماضي، استيقظ كوريه من فراشه في تمام الخامسة فجرًا، على أصوات غريبة وأنباء بدخول القوت الروسية البلاد، وهي الأخبار التي اعتقد أنها مفبركة في بداية الأمر، ولكن كحالنا جميعًا عندما ينقطع التيار الكهربائي، نذهب للبلكونة لمعرفة هل العطل في منزلنا فقط، أم عند جيراننا أيضًا، ذهب كوريه إلى بلكونته فوجد طوابير طويلة عند السوبر ماركت الموجود بشارعهم، وزحاما عند الصيدليات ومحطات الوقود وفرع البنك، ثم حول بعينيه يمينًا ويسارًا، ليجد أن السيارات ممتلئة بالناس وحقائب السفر والجميع يرغبون في النجاة. 

لم يُقدم كوريه على قرارات سريعة ومتهورة، وقرر البقاء في منزله فترة، ليفكر في القرار الصائب وكيف يمكن أن يخدم وطنه، ويحافظ على خطيبته التي أُصيبت بالهرع، وكيفية توفير المؤن الغذائية والأدوية لزوجة أخيه الحامل، وظل يتابع المستجدات التي كان أهمها الاعتراف بالقرم، ومنطقتي لوجانسك ودونتسك كجزء من روسيا، وعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ونزع السلاح، والاعتراف باللغة الروسية كلغة رسمية ثانية، وبدأت جولة المحادثات الأولى التي كان يضع آمالا عريضة عليها، أن تنهي هذا الكابوس ولكنها لم تؤدي إلى شيء، بل امتدت السيطرة الروسية على عدد أكبر من المدن الأوكرانية، بالتزامن مع تمسك الجيش الأوكراني بالمقاومة الباسلة، ولكن الوضع لا يطمأن وهنا بدأ الخوف يتمكن من قلبه.

أحيانًا يكون صوت الصمت والظلام مخيفًا أكثر من أصوات الطائرات

يطفئ كوريه الأنوار كاملة، والشوارع تغلق جميع اللافتات كي لا تعرف الغارة طريقها لمدينتهم، ثم ينام على أصوات الصواريخ التي أصبح خبيرا فيها فيعرف صوت الصاروخ من صوت إطلاق النار من أصوات المركبات العسكرية وغيره، دون الخلود إلى نوم هنيء 100%، بل نوم يمتاز بوضعية الاستعداد الدائمة، وتتوجه الأسرة الصغيرة إلى مكان آمن، أو حتى دخول الحمام والبقاء هناك، إلى أن تنتهي الغارة، لأنه المكان الأكثر حماية في المنزل لطبيعته الخرسانية، أحيانًا يكون صوت الصمت والظلام مخيف أكثر من أصوات الطائرات، فحالة انتظار الموت أصعب من حدوثه، حينها تبدأ ضوضاء بمخك: هل سيقع عليك صاروخ أم لا؟ وتراوضك أجمل ذكريات حياتك الهانئة، وأحلامك لحياة جامحة وأهلك وأحبابك وتقلق على من بجوارك، وفي حالة كوريه كان أكثر ما يشغله خطيبته.

هناك لحظة تغير شيئًا ثم يتغير معها كل شيء

غادر شقيق كوريه الأصغر، بصحبة زوجته الحامل وأسرتها ولكنه ظل محافظًا على بصيص الأمل والنور في آخر النفق، الذي أصبح عتمة جديدة عندما انتهت الجولة الثانية من المفاوضات على ولا شيء، بل ورد خبر عن وضع صواريخ فراغية على الحدود مع أوكرانيا، وبعد لحظات معدودة من قراءة الخبر، رأى كوريه ضوءا ساطعا جدا، ويليه صوت انفجار مرعب، حينها تغير كل شيء، فأُصيب بنوبة زعر عندما رأى خطيبته، خائفة ولا تدري كيف تتصرف، وحينها اتخذ قراره وعثر على حقيبة سفر صغيرة، وضع بها متعلقاتهما الشخصية، واصطحبا حقيبتي ظهر وضعا فيها لاب توب، نقود، أوراق إثبات وعقود شراء شقة، وكيس به بعض الطعام، ونزلا إلى قبو البناية لمواجهة مصير جديد.

فودكا في صحة الحب والحرب

حين دخلا القبو شرعت الفتاة التي لم تتعافى بشكل كامل من الحرب السورية، قبل أن تخرج من سوريا في 2012 في البكاء، فالتجربة المريرة تتكرر بعينها مرة أخرى، خصوصًا أن صحتها ضعيفة، ولا تستطيع تحمل ظروف الحرب أو بالمعنى الأدق، أن تبقى على قيد الحياة، وفقًا لما رواه كوريه عنها.

بعدما هدأت الفتاة  قليلا، تعرف الشابان على جيرانهما الذين دعوهما إلى شرب فودكا معهم ثم هدأت تماما، كيف يمكن لونس صغير أن يعيد لك بعض الأمان الذي أفقدته الحياة لك! ولكن على أي حال جلس الرجال وراء طاولة في أول غرفة بالقبو، يناقشون مستجدات الأحداث ويحاولون إيجاد مأكولات غذائية، وقود وأدوية للمحتاجين، حيث كان أحدهم رائد أعمال لديه 3 مصانع لحم في خاركوف، وحاليًا يساعد المحتاجين بما تبقى لديه من المنتجات، فيوزعها في مختلف أرجاء خاركوف، ولكن في تلك الأثناء وبينما يجلس الجميع، يشربون ويتجاذبون أطراف الحديث، جاءت زوجته وعلى يديها طفلا رضيع، لا يتوقف عن البكاء، فصرخت على زوجها ليساعدها في تهدئته.

كيف لي أن أتخلى عن أعز أصدقائي.. قطتى؟

استأذن كوريه من جيرانه، أن يصور القبو لنقل واقع الحياة لما يعيشه الأوكران الآن، وذلك عبر وسائل الإعلام العربية والمصرية، وتحديدًا موقع القاهرة24، ولكن ارتاب الجيران من ذلك في بداية الأمر، إلى أن تأكدوا من الوضع وبالفعل تمكن من تصوير القبو، الموجود به رجال ونساء وأطقال وشيوخ يعيشون في وضع صعب، وقطته التي لا يعرف كيف سيكون مصيرها؟، ولكن للأسف سيضطر لتركها في القبو مع الجيران ليعتنوا بها في حين سفره لمدينة أكثر أمانًا، لأنه لا يعرف ما الذي سيصيبه على الطريق، ولا يمكن أن يغامر بحياتها، وعليه اتخذ أصعب قرار يمكن لمالك حيوان أن يتخذه، وهو ترك صديقه الذي اعتاد اللعب معه وتنويمه وإعطاءه الطعام، وهو أول من يستقبله على باب المنزل عندما يعود من مشوار طويل، وهو من يداوي جروحه إذا واجهه العالم بأمر ما، فيفر إلى قطه التي يحتضنها، وتتحول إلى من يبعث في قلبه الأمان.

بكرة الشمس بتطلع

تواصل كوريه مع صديقه، ليغادر معه هو وخطيبته من خاركوف في الصباح الباكر، والمفاجأة السارة أن صديق كوريه وصل بأمان، بصحبة زوجته الحامل وشقيقها مع رفيقته، ليركبوا السيارة جميعًا، لبدء رحلة من المصير المجهول لمحاولة النجاة.

تابع مواقعنا