معادلة الاستقرار الأمني وفُرص استثمار مليارات (وادي خريت والنُّقرة نموذجًا)
كنتُ قد تحدثت في المقال السابق عن البعد الأمني لمصر أهمية توفير غذائها وتنوع مصادره والاكتفاء ذاتيا منه، وتوفير مساحات كافية لاحتياطياتها الاستراتيجية الهامة، ومنها القمح علي سبيل المثال لا الحصر، ومؤخرًا -وعلى فترات متباعدة- حدثت وقائع عِدة لفتت انتباه كثيرين، ومنهم بالقَطع المعنيون بحفظ أمن وسلامة مواطني مصر عامة، واهل الصعيد على وجه التحديد.
منطقة أسوان كواحدة من تلك المناطق شهدت وتحديدًا نصر النوبة حوادث مختلفة الأحداث معطياتها تأتي من جهة ربما وحيدة، وهي وجود دواعي لدخول -غرباء عن البلد أو القرية التي تشهد تلك النوعية من المشكلات- ليختلط فيما بعد الحابل بالنابل، ويدخل من يقصد خيرًا ومن يقصد شرًا، كلٌ على نيته، مُخلفًا إما ضحية أو خسارة بسرقة أو انتهاك عورات البلدة وأهلها وغيرها من الجرائم التي تشكل تهديدًا لسلم المواطنين وأمنهم، ولنا في سقوط 12 فردًا مع حمدي أبو صالح خير مثال ودليل على ذلك، إذ ضبط الأمن في تلك المداهمة أسلحة وذخائر ربما لو كان تم السكوت على حيازتها لرأينا عزت حنفي آخر في أقصى الجنوب.
وادي النقرة وعرب خريت باب أمل أم قنابل موقوتة ومفرخة خارجين عن القانون؟!
منطقة نصر النوبة من جهة الجنوب الشرقي قد تصير كلأ مستباحًا إن لم يضع القانون النقاط فوق الحروف، فوجود أي ظهير صحراوي (سكني - تجاري - صناعي) أو طرق الربط بين المناطق غير المأهولة بالسكان، وقد يجعلها ملاذا آمنا لكل طريد، خصوصا أن الدخول إليها والخروج منها يتم بمنتهى السلاسة واليسر، والجبل هو أقرب سُكنى يولّي إليها عتاة الإجرام، ولا داعي لتكرار أحداث ووقائع يعلمها كثيرون ومرصودة، وآخرها حادث اعتراض أهل قرية توشكى شرق مجهولين خلفوا مصابين وروعوا آمنين.
قرارات إعادة طرح فرص استثمارية بالمناطق النائية والقري الناشئة البعيدة عن الحيز السكني ومراكز المدن وإلى ما ذلك من مناطق، كانت في الماضي يصعب وصول الخدمات إليها، كما وفرت ميزانيات تقدر بالمليارات لتوفير سبل إعاشة وتمهيد طرق ورصف وتوصيل مرافق، ناهيك بإنشاءات ضخمة تتخطى المليارات وتحديدا في المنطقة محل حديثنا، حيث باشرت المحافظ مؤخرا مشروع محطة تنقية مياه الشرب بعنيبة التابعة لمركز نصر النوبة، بتكلفة إنشائية بلغت 27 مليون جنيه، بسعة 5000 م3، وتم الانتهاء منها، ووجه المحافظ بتأهيل المحطة سريعًا وإجراء الاختبارات، تمهيدا لدخولها الخدمة. كما نفذت مؤخرا مشروع إنشاء محطة رافع مياه الشرب بالجنينة والشباك بطاقة 30 لترا / ثانية بتكلفة 30 مليون جنيه.
ونفذت محطة معالجة أخرى بطاقة 400 م3/ ساعة، بخطوط طرد تصل إلى 4457 مترا، بالإضافة إلى خط مياه بطول 3400 متر، وهي منشأة لتدوير وتنقية مياه الصرف لخمس قرى بالمنطقة، ومنها قُرى توشكى وقسطل أبو سمبل، الأقرب لمنطقتي وادي خريت ومنطقة وادي النقرة.
كما باشرت عدة وزارات بالتنسيق مع المحافظة وديوانها إنشاء المنطقة الصناعية الحرفية بقرية الجنينة والشباك، في توجه قديم حديث ربما بطرح أفضل من الماضي بعدة مراحل، وتم الانتهاء منها وتكلفت ما يناهز 129.5 مليون جنيه شاملة المرافق الخارجية واستكمال الكهرباء والاتصالات وأعمدة الإنارة، بالإضافة إلى تكلفة الإنشاءات والمرافق الداخلية للمنطقة، والتي تضم 308 ورش فنية، بجانب 6 مبان خدمية، ورصف الطريق المؤدى للمنطقة بطول 2.7 كم.
نعود نحو حديثنا حول سرد الوقائع آنفة الذكر، والتي تتمثل في وجود بعض البؤر التي ربما تحوي عناصر خارجة عن القانون، نظرًا لكون النقطتين المشار إليهما متاخمتين لحدود جبلية وامتدادات عمرانية وزراعية مفتوحة بعيدة تماما عن أي رقابة أو رصد أو متابعة.
والدليل أن هناك حوادث بالفعل جرت خلال الستة أشهر الأخيرة، آخرها منذ يومين -كما أوضحت- وخلقت جوا من عدم الاستقرار داخل أطراف المنطقة، كون تلك الأحداث تنتشر بفعل السوشيال ميديا سريعًا.
حديثنا هنا -من وجهة نظري- تأتي أهميته في بعدين أو شقين أهمهما الشق الأمني، الذي يمثل في تلك النقاط استباقًا وإحكامًا متقدمًا لإغلاق أي بؤر تشكل تهديدات مستقبلية، ومنع أن تكون تلك الأماكن حواضن آمنة لأرباب الأحكام والفارين من العدالة، يتغولون فيها مستقبلا أو أي حيز قد يشكل متنفسا رطبا لأي خلايا تتبع تنظيمات أو جهات تتبني أفكارًا تهدم ثوابت الدول، ويتعارض وجودها مع استقرارها وأمنها وسلامة مواطنيها وتُميز بين عناصر المجتمع الواحد وهم سواء.
هل تفكر الدولة في فتح المجال زراعيا وصناعيا لضرب عصفورين بحجر وخلق نوافذ استثمار للمستقبل؟
أقصى شرق الامتداد العمراني -الظاهر بالصور التي سيتم عرضها- مسافة شاسعة، تعميرها ليس مستحيلا وليس عصيا، فقط التخطيط المناسب السليم هو ما ينقصها، واستقطاب رؤوس أموال -ربما يساعد خروج قانون الاستثمار إلى النور في دخولها عاجلا بفضل المتغيرات الدولية- سيحركها نحو مستقبل أفضل ربما، فكما المياه هي أو منابت العمار، فإن شغل الأماكن غير المأهولة يعد حافزا لاستغلالها أمثل استغلال وتسكين فرص الاستثمار المناسبة بها، لأفراد أو كيانات.
محمية وادي الجمال أو مالديف مصر كما يطلق عليها كثيرون، والواقعة بمنطقة تتاخم سواحل البحر الأحمر، لتشكل مع نظيراتها على الساحل الشرقي -القصير مرسى علم- مايشبه العقد، حيث تملك متسعًا من الفرص التي علينا اغتنامها حيث تتميز المنطقة بوجود تكوينات جيولوجية مليئة بالمعادن النفيسة منها الزمرد وأحجار الزينة والفلسبار والرصاص والمنجنيز، وكما تضم جنباتها أبراجا حربية قديمة وقلاعا أثرية ومواقع للتنقيب عن الذهب والأحجار الكريمة والجرانيت والزمرد، قريبة من منطقة بكر لم تكتشف أيضا تسمى وادي سكيت، حيث يوجد حجر الزمرد، ليشكل المكان المصدر الوحيد للإمبراطورية الرومانية إبان صحوتها، كما يصنفه البعص على أنه أكبر منجم زمرد في التاريخ، بالإضافة لمعبد سرابيس، والكلمات دون شرح غنية لتفصح عما تخفيه أرض المنطقة.
في المقابل، أحيت الدولة مشروع طريق الأسرة المقدسة، ونجحت في ذلك إلى قدر كبير، وربما ظرف الطيران الدولي وظروف أخرى حالت دون اكتمال صورة مشرقة فيه، ولكن ما يفرضه الواقع ضرب الثوابت بمقتل، وفرض على الواعين الوجود بعقل وفكر متقد، يزكي أي نور يلوح في الأفق مستقبلا، وربما كان طرح شواهد وفرص استثمار المعدن النفيس بالصعيد وتوفير بيئة استثمار آمنة مؤخرًا، مسهما في خروج الفرص للنور بدخول كيانات متعددة للاستثمار في هذا القطاع.