الحصار الرقمي هو نقطه التحول
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، نشطت استراتيجيات أوكرانية في حصار روسيا رقميا، وكانت هذه الاستراتيجيات ينفذها وزير التحول الرقمي الأوكراني، عبر منصات التواصل الاجتماعي، راميا إلى قطع اتصال روسيا بالإنترنت، كما أن كل نقاط تفاعلها الرقمية مستهدفة.
ولتحقيق هذا الهدف، لجأ الوزير إلى مجموعة من الأدوات، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والعملات الرقمية وغيرها من الأدوات الرقمية، على منصة التويتر، كان يخاطب بتغريدات عبر حسابه الشركات التقنية، مثل جوجل وأبل ونتفلكس وإنتل وغيرها، لإيقاف أعمالها في روسيا، وناشد إيلون ماسك مباشرة عبر تويتر، ووجه رسائل احتجاج لشركات جوجل وأبل وغيرها، وتبادل رسائل مع مسؤولين في شركة ميتا، وشكل مجموعة من المتطوعين، لمهاجمة المواقع الإلكترونية الروسية.
الوزارة أسست صندوقا، لاستقبال التبرعات بالعملات الرقمية، وهذا الصندوق نجح في استقطاب تبرعات تزيد عن ستين مليون دولارا، الوزير شن حربا رقمية شرسة على روسيا، وخلق حالة عالمية جديدة من الحصار الرقمي في الحروب.
ويُعد الحصار الرقمي الأداه الأهم لمخاطبة الشركات التقنية على الملأ، والضغط عليها للتصرف واتباع أفعال محددة مرغوبة بعينها، والشركات التقنية بدورها بدأت بالانسحاب تباعا من روسيا، والاستراتيجية المتبعة لعلها لم تكن السبب الرئيس لهذا الفعل، إلا أنها لا بد وأنها شكلت سلاح ضغط يصعب تجاهله، ناهيك عن أن الحصار الرقمي، ساعد في زيادة تذمر الأفراد الروس من الحرب ككل.
السلطات الروسية، حجبت بعض وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: فيسبوك، وميتا، وتويتر، في محاولة منها لإحكام السيطرة على تدفق المعلومات للداخل الروسي، وهذا ساعد في توجيه أفراد الشعب الروسي، نحو طرق بديلة للوصول إلى الخدمات المحجوبة.
الروس وجدوا ضالتهم في برامج VPN والتراسل المشفر، وخلال الأيام الأولى عدد المستخدمين في روسيا لبرامج VPN، تضاعف ثلاث مرات مقارنة بالأسبوع الذي سبق الحرب، وكذلك توجهوا بقوة نحو استخدام تطبيقات التراسل المشفرة، علاوة على زيادة ملحوظة في استخدام التصفح على الإنترنت المظلم TOR، وبعض الشركات التقنية دفعتهم نحو هذا، بعد توفير خدماتها على المتصفح TOR مثل تويتر.
استراتيجية الحصار الرقمي، تمشي جنبا إلى جنب مع الحرب التقليدية بكل أبعادها وساحاتها وأدواتها، ودشنت عصرا جديدا من الحرب الهجينة Hybrid warfare، والحصار الرقمي له غايتان مهمتان؛ أولاهما الضغط والتدافع والمناورة في ساحة حرب افتراضية جديدة، والأخرى زيادة تأليب الداخل الروسي وتذمره من سير الحرب ككل، ما يحدث اليوم هو مجرد البداية، ولا مناص أنها ستغير السلوكيات الرقمية للفرد الروسي بطريقة أو بأخرى، وستزيد من جهود التطوير لأساليب رقمية غير مألوفة، تفاديا للحصار الرقمي المفروض من شتى الأطراف؛ حكومات وشركات.
ما يعنينا رقميا أن المشهد الرقمي الروسي، بدأ في أخذ ملامح جديدة، وسيلازمه تصرفات جديدة، وتغير نمط استهلاك الفرد الروسي رقميا، الفرد الروسي الذي كان معتادا على التواصل مع معارفه عبر منصة ما، من الراجح أنه سيجد حيلا أخرى ليبقى على ذات التواصل بعد الحجب، والجهات الروسية ستستثمر في منصات رقمية روسية كي تلبي الحاجة المتزايدة، والشركات التقنية الروسية وغير الروسية، باتت أمام ضغط سوق وسياسات وتحالفات، نافلة القول من ذلك كله أن السوق الرقمي الروسي لم يعد ذاته، والحرب كانت نقطة تحول كبرى لها بعدا رقميا روسيا وعالميا.