الكراهية والتسامح..!
هل الكراهية ضرورة حياة أحيانًا مثلها مثل الحب تمامًا؟
وهل علينا أن نتعلم الكراهية كما نتعلم الحب، وأن نُعطي الحب لمن يستحقه، والكراهية لمن يستحقها؟
الإجابة في ظني: نعم؛ لأن الكراهية في حياة الشعوب والبشر، مثل الحب، وجودها والقدرة عليها دليل شجاعة وجود، وقوة إرادة، وسلامة وتوازن الروح والعقل والشخصية.
وهي مُؤشر على قدرة الإنسان على التحرر من العبودية النفسية، ومعاملة الآخر بما يليق به، ووضعه في المكانة التي يستحقها، إيجابًا وسلبًا.
أما الوقوع في هوى الشخصيات الرديئة في معدنها، المريضة أخلاقيًا ونفسيًا، السادية في تعاملها مع الضعفاء، الانتهازية في تعاملاتها مع الآخرين، النرجسية المتمركزة حول ذاتها ورغباتها، والاستعداد لنسيان جرائمها وخطاياها، وفقدان القدرة على احتقارها وكراهيتها وتجاوزها، هو دليل على تشوهات نفسية واستعدادات مازوخية عند صاحبها، وعلى قابلية للاستعباد النفسي والمادي لا تليق بالأحرار والأسوياء من البشر.
مع ضرورة أن نضع في اعتبارنا أن الكراهية هنا لا تحمل رغبة في الإساءة للآخر، ولا نزعة شخصية لتدميره، حتى لا نصبح مشوهين مثله، وتترك هي مصيره بعد احتقاره وتجاوزه لعدالة السماء، التي حتمًا سوف تُنصف الضحية المظلوم، وتجعل الجاني الظالم عبرة لغيره.
وتلك الكراهية الواعية التي تملك دوافع حقيقية هي في يقيني، المدخل الأكثر فاعلية لتجاوز وتخطي البشر الذين اكتشفنا أنهم لا يستحقون الوجود في حياتنا بأي شكل، وبالتالي إخراجهم من حياتنا، وإقامة سور بين وجودنا ووجودهم، وكأنهم ماتوا بالنسبة لنا، ولم يعد لهم وجود في دنيانا.
وهي كراهية تتأسس على التسامح الإيجابي الذي يتجاوز المواقف والبشر، ولكن لا ينسى؛ لأن نسيان الخطايا التي ارتكبت في حقنا، والتسامح بشكل مجاني مطلق هو شأن إلهي غير بشري، قد يجعل من الإنسان القادر عليه موطنا للمهانة المستمرة، ولهذا قال أبو الطيب المتنبي:
منْ يهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليه
ما لجرحٍ بميت إيلامُ.
وفصل المقال:
سامحوا لكن لا تنسوا، واخرجوا النرجسيين، والساديين، والمشوهين نفسيًا وأخلاقيًا من حياتكم.
ابتعدوا عمَّن لا يقدرونكم، ولا يضعونكم في المكانة اللائقة بكم.
أحبوا من هو جدير بحبكم، وتمسكوا به، واكرهوا من هو جدير بكراهيتكم، وازهدوا فيه؛ وبهذا تصح حياتكم وخياراتكم، وتحترمون أنفسكم، ويحترمكم غيركم.