والوعد يطول
● الممرضة الكندية "فيرجينيا كامبيل" بتشتغل في دار رعاية مسنين في ولاية (كاليفورنيا) وكتبت في جريدة نيويورك تايمز في قسم القصص الإنسانية عن قصة أغرب اتنين نزلاء شافتهم في الدار عندها.. الزوج "جوزيف" وزوجته "ويتني".. وهما أطفال في المدرسة كانوا بيحبوا بعض حب جنوني ووقتها الولد وعد البنت إنها هتكون مراته في يوم من الأيام.. وعد عيالي من طفل ماعداش الـ 7 سنين.. وعد مافيهوش أي ريحة من الالتزام أو الإجبار من أي نوع.. تمر الأيام ويكبر الاتنين شوية ويوصلوا لمرحلة الشباب.. "جوزيف" كان من أسرة بسيطة جدًا ووالد "ويتني" كان من أثرياء الولاية وقتها.. راح اتقدم لأبوها.. رفضه.. بس ولأن البنت كانت من أسرة محافظة ومتدينة فماقدرتش تسيب البيت وتروح تتجوزه بعيد عنهم من وراهم.. فضلت تزن على أبوها تزن تزن مافيش فايدة.. وعشان أبوها يصعب الأمور على "جوزيف" ويريح دماغه من زن بنته طلب منه طلبات مادية تعجيزية.. "جوزيف" وافق واشتغل كذا شغلانة عشان يحاول يوفي بالطلبات اللي طلبوها.. لم زبالة، اشتغل في مطاعم، اشتغل في المطافي، اشتغل سواق على عربية نقل.. مليون شغلانة وشغلانة وماكنش بينام تقريبًا.. على مدار قد إيه؟.. 4 سنين كاملة!.. ولما بطلوع الروح جهز الفلوس اللي طلبها أبوها لقاه بيقوله وأنا أعرف منين إنها فلوسك مش يمكن سارقها؟.. طبعًا الواد شد في شعره وكان هيتجنن.. راح قابل القسيس بتاع الكنيسة اللي في المنطقة وطلب منه يتوسط له عند أبوها.. القسيس اتكلم مع أبوها.. أبوها قاله إنه مش هينفع يجوزهاله لأنه شاكك إنه طمعان في فلوسها مش عشان بيحبها.. القسيس قال لـ "جوزيف" اصرف نظر يا ابني اللي خلقها خلق غيرها السكة دي سد والراجل ده مستحيل يوافق.. "جوزيف" بقى كل يوم يروح تحت شباك أوضة "ويتني" بالليل وهي تطلع له البلكونة يبصوا على بعض بس!.. لا يغنيلها زي الأفلام ولا يتكلم معاها ولا يطلع لها بسلم.. يبصوا لبعض فقط لا غير.. مرة في مرة في مرة؛ أبوها شافه.. طلب الشرطة وجاب شهود واستخدم علاقاته واتهم "جوزيف" إنه حرامي وحاول يسرق بيته.. الواد إتطس حبس 3 شهور.. سمعته انضربت مفك محترم.. خرج.. وكانت الحِجة عند أبوها أقوى (إزاي هجوزك واحد رد سجون!).. بمجرد خروجه جاله استدعاء من الجيش للمشاركة في حرب فيتنام.. راح.. بقى كل يوم من أيام تجنيده اللي وصلت لحوالي 3 سنين يبعت جواب لـ "ويتني" من هناك!.. كل يوم جواب!.. بسبب ظروف الحرب كانت الجوابات ساعات بتتأخر لكن بتوصل في النهاية.. قبل نهاية خدمته اتصاب وحصل بتر لقدميه الاتنين من فوق الركبة.. بقى عاجز عجز كلي.. وهو واقف قدام الرئيس الأمريكي وقتها بيتسلم درع ونوط الشجاعة ولما طلع على المسرح بـالكرسي المتحرك ومسك المايك قال: أنا أُهدي هذه الجائزة لحبيبتي "ويتني" وأرجو من والدها أن يوافق على زواجنا).. تحت الضغط والإلحاح من كل ناحية أخيرًا وافق الأب.. وبقوا الاتنين عايشين مع بعض كزوجين سعداء.. وعشان أبو "ويتني" يتطمن كتبت ورقة لأبوها إنها مش هتاخد أي دولار من ثروته لا في حياته ولا بعد موته وإنها اكتفت من الدنيا بـ "جوزيف".. تمر الأيام أكتر وأكتر والشيب يبدأ يملا راسهم هما الاتنين.. مافيش أطفال.. بس ماحدش فيهم حس إنه ناقصه حاجة.. يكبروا أكتر وأكتر لحد ما الشيخوخة تبدأ تهاجمهم في شراسة.. يقرروا يدخلوا هما الاتنين دار المسنين مع بعض.. الممرضة "فيرجينيا" بتكمل حكايتها وبتقول إن تفاصيلهم كانت عظيمة.. منظرهم كان تحفة وهي بتزقه بالكرسي بتاعه رايحين لغرفة الأكل.. منظرهم كان تحفة وهما بيأكلوا بعض بالراحة وبإيديهم وبحب.. وهما ماسكين ألبوم الصور والذكريات بتاعتهم وبيتفرجوا على صورهم سوا.. الممرضة "فيرجينيا" خدت أجازة لمدة أسبوع ولما رجعت عرفت إن "جوزيف" فعلًا مات بأزمة قلبية مفاجأة.. قلبها اتخلع على حال "ويتني".. دخلت عليها الأوضة بتاعتها ولقت عينيها متشعبطة في السقف.. مسكت إيديها وطبطبت عليها وباستها.. "ويتني" خدت وقت طويل عشان تخرج من الحالة اللي هي فيها ويمكن من رحمة ربنا بيها إن جالها زهايمر بعدها فورًا عشان تنسى إن "جوزيف" مات وبقت تحكي عنه بحماسة لكل اللي يشوفها كأنه عايش وتقول لهم ده راح مشوار وجاي حالًا وهعرفكم عليه ولما حد يسألها عن سر استمرار جوازهم لمدة 50 سنة تقريبًا كانت تسكت شوية وتقول: (اختفت كلمة "الظروف" من قاموس حياتنا الزوجية فاستمرت؛ لم يمنعه المال ولا السجن ولا الحرب أن يفي بوعده لي).
● الوعد عقد دون ورق ولا أختام.. في واحد من أحلى مشاهد فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) الفنان "أحمد زكى" بيقف في نهاية الفيلم وبيقول على لسان شخصية البطل "سيد الغريب": (العقد مابيعملش الحقيقة؛ العقد بيثبتها بس.. كلمة أنا بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد.. الوعد بالجواز ده أكبر عقد).. أكتر من نص مشاكل العلاقات ماكانتش هتحصل أو كلمة النهاية هتنزل على قصصها بدري لو كل طرف كان قد الكلمة اللي قالها من البداية.. كام قلب اتكسر بسبب كلمة اتكسرت قبله، وكام واحد فقد ثقته في كل اللي جايين بكره لما اللي سبقوا خذلوه امبارح؟.. الأديب شارلز ديكينز" قال: (الوعد إذا كُسر لا يصدر صوتًا؛ بل الكثير والكثير من الألم).. هتقدر تسد للنهاية وتدافع عن وعدك يبقى إوعد، ولو مش هتقدر محدش بيجبرك تفتح بوقك من الأساس.. الوعد كلمة، والكلمة شرف.