إذاعة القرآن الكريم من القاهرة
لا يكاد بيت في مصر يخلو من وجود الراديو الذي يبث عبر أثيره إذاعة القرآن الكريم التى تربينا عليها ولنا معها ذكريات، فلا ننسى قرآن الصباح ونحن ذاهبون إلى المدرسة بصوت الشيخ محمد رفعت، ولا يأتي شهر رمضان إلا وتكون إذاعة القرآن الكريم شاهدة عليه بطقوس لا ننساها.
قرآن المغرب بصوت الشيخ محمد رفعت وخواطر الشيخ الشعراوي لها بصمة في عقولنا، وتكبيرات العيد لها شعور خاص.. فيه بهجة غير عادية.. ولبيك اللهم لبيك صوت ينقلك قبل عيد الأضحى إلى مكة المكرمة، وكأنك مع حجاج بيت الله في مناسكهم.. وصلاة الفجر لها روحانيات ومعانٍ مع ابتهالات نصر الدين طوبار.
وارتبطنا ببعض الأصوات المشهورة كـ هاجر سعد الدين وشحاتة العرابي وغيرهما.. وهناك بعض البرامج المميزة مازالت عالقة في أذهاننا منذ الطفولة كـ براعم الإيمان والمصحف المعلم.
كما ارتبطت إذاعة القرآن الكريم بكل شيء في حياتنا.. تجدها في البيوت لجلب البركة وطرد الشياطين وفي المواصلات للاستمتاع وفي السفر للبركة والتوفيق.
في أوائل الستينيات ظهرت نسخ من القرآن الكريم مجهولة المصدر فاخرة، ولكنها تباع بثمن قليل، وفي بعض الأحيان توزع مجانا، ولكنها كانت محرفة في بعض المواضع مثل نص الآية: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" وطبعوها مع حذف كلمة "غير" فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تمامًا، وعندما تم كشف ذلك بدأت أجهزة الدولة المصرية في مصادرة تلك النسخ وحرقها.
لذلك قرر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والأزهر الشريف، عن مشروع لتسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم، ووقع الاختيار على صوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، وتم على أسطوانات توزع نسخ منه على المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، وكافة المراكز الإسلامية في العالم، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه.
لكن فكرة الأسطوانات لم تحقق الهدف المنشود إذ إن عدد المستمعين للأسطوانات بهذا الشكل قليل جدا بالنسبة لتشغيل هذه الأسطوانات على نطاق شعبي، فضلًا عن عدم توافر الطاقة الكهربائية اللازمة لها؛ بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينيات من القرن العشرين، فقرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وقتها في 25 مارس 1964م تأسيس إذاعة القرآن الكريم.
وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر الصديق.
ونجحت إذاعة القرآن الكريم في نشر السنة النبوية والثقافة الإسلامية من خلال برامجها التي بدأت عام 1966 وحتى الآن ومن أشهر هذه البرامج حديث الروح، والدين المعاملة، والقاموس الإسلامي، ويا أمة القرآن، والموسوعة القرآنية، وفي روضة الرسول ﷺ، وبريد الإسلام، وغيرها من البرامج.
ونجحت الإذاعة في نشر القراءة الصحيحة للقرآن الكريم في العالم أجمع، بالخمسة قراء الكبار، وهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ومصطفى إسماعيل، ومحمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، ومحمود على البنا، الذين يقرأون القرآن كاملا بأصواتهم بشكل دوري منذ إنشائها حتى يومنا هذا.
وتبقى العبارة الخالدة: «القرآن اُنزل في مكة وكُتب في العراق وطُبع في تركيا وقُرئ في مصر»، لتشهد على ريادة مصر الثقافية والدينية.. فهنا إذاعة القرآن الكريم من القاهرة.