أحمد زكي.. فتى الشاشة الأسمر وترمومتر الفن
وجه اجتمعت فيه مقومات البطولة.. عينان قادرتان على التعبير عن أدق تفاصيل الشخصية التي يجسدها دون تكلف أو مبالغة.. ابتسامة ساحرة تخطف القلوب لصدقها ونقائها.. قلب طفل لا يحمل سوى الخير والحب رغم ما كابد من آلام وتجرع من مآسي طوال 56 عاما، قضى نصفها في إسعاد الملايين والتعبير عن آلامهم وأنماط حياتهم، بدءا من الشخصيات الهامشية كالبواب وسائق التاكسي وبائع السمك والمجند والطبال والمصوراتي، مرورا بضابط الشرطة والمحامي الفاسد والموظف البسيط والمدرس، وانتهاء بالوزير ورئيس الجمهورية.
نشأ يتيمًا ووالدته تخلت عنه
ولد الفنان الكبير أحمد زكي في 18 نوفمبر 1949 بإحدى قرى مركز الزقازيق في محافظة الشرقية، مات والده بعد بضعة أيام من ولادته، وسرعان ما تخلت عنه والدته وتزوجت برجل آخر، ليتربى في منزل جده ويعيش حياة اليتم والوحدة، حتى يلتحق بمدرسة الصنايع قسم الخراطة، ويقدم العديد من الأعمال المسرحية وتكتشفه الفنانة شهيرة التي تنصحه بضرورة الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، الذي لم يسمع عنه الفتى الأسمر قبل أن تطلب منه شهيرة الالتحاق به.
انكسار في بداية المشوار
بعد تخرج أحمد زكي في معهد الفنون المسرحية، تعرض عليه فرصة ذهبية وهي تقديم بطولة فيلم الكرنك أمام السندريلا سعاد حسني، وبرغم إيمان علي بدرخان مخرج الفيلم بأحمد زكي، إلا أن ممدوح الليثي منتج الفيلم وقف حائط صد دون ذلك، معللا: دا واد أسمر مش هينفع يقدم الدور، وباءت محاولات بدرخان لإقناع الليثي بتقديم أحمد زكي بالفشل، ليدخل الولد الأسمر بعدها في نوبة اكتئاب وحاول الانتحار، لأنه ليس له أي ذنب في اختيار لون بشرته، ولأن سحب البطولة منه في فيلم الكرنك، تسبب في خسارته تقديم بطولة فيلمين آخرين لنفس السبب.
العندليب كسر قلبه
لم يكن ذلك الموقف المحرج الوحيد والقاسي الذي تعرض له أحمد زكي طوال مسيرته الفنية، فعندما كان يعرض مسرحية مدرسة المشاغبين تفاجأ بالفنان الراحل عبدالحليم حافظ يحضر المسرحية وبعد انتهاء العرض صافح أبطال العمل باستثنائه، الأمر الذي جعل أحمد زكي يبكي بحرارة.
بطولة مطلقة ونجومية ساحقة تعوض سنوات الوحدة والخذلان
موهبة أحمد زكي وإصراره على النجاح ساعداه في تخطي هذه المواقف الصعبة، فإذا به ينهض من عثرته ويقدم أدوارا ثانوية استطاع من خلالها أن يثبر أغوار النجومية، ليدخل بعدها مرحلة البطولة المطلقة وينطلق بسرعة الصاروخ في تقديم أدوار البطولة التي تناول من خلالها معظم طوائف المجتمع خاصة الهامشية، واستطاع بأدواته وتمكنه الشديد أن يقدم معالجة فنية بديعة للشخصيات والمشكلات التي يعرضها، فإذا به يقدم المدمن والشاب الجامعي الذي يصطدم بمتغيرات الحياة بعد التخرج والصحفي وأستاذ الجامعة والصنايعي والبواب والوزير، فضلا عن الشخصيات الحقيقية التي جسد بطولتها مثل الأديب العالمي طه حسين في مسلسل الأيام، والرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في فيلم ناصر 56، والرئيس الأسبق محمد أنور السادات في أيام السادات، والفنان عبد الحليم حافظ في حليم.
جيهان السادات أشادت بموهبته
قدرة أحمد زكي على تجسيد هذه الشخصيات تخطت التقليد، فبالرغم من براعته في تقديم الشكل الخارجي لهذه الشخصيات، إلا أنه تمكن أيضا من فك شفرات هذه الشخصيات المختلفة، فنجده يلقي خطاب الرئيس عبد الناصر من فوق منبر الجامع الأزهر، بالرغم أن الخطاب لم يكن مصورا والسبب أن التلفزيون حينها لم يكن يعرف طريقه إلى مصر بل وإلى كثير من الدول، مرحلة سجن الرئيس السادات ومراحل حياته المختلفة التي لم يراها أحد بما ذلك أفراد أسرة السادات، كيف استطاع أحمد زكي من خلال بعض الأوراق والمعلومات المقتضبة أن يحولها لأول مرة إلى معالجة فنية، تشيد بها السيدة الراحلة جيهان السادات وأفراد أسرة الرئيس السادات.
مأساته مع حبيبته هالة فؤاد
وسط كل هذا النجاح الكبير الذي حققه أحمد زكي، لم تخلو حياته من المآسي والأوجاع، فبعد زواجه من الفنانة الراحلة هالة فؤاد بسنة وبضعة أشهر ينفصلان، بسبب إصرارها الشديد على عدم اعتزال الفن وتدخل والدها في حياتهمها، فضلا عن مزاج أحمد زكي الحاد وعصبيته الشديدة، لتتزوج هالة بعدها بخمس سنوات بعد أن انتظرت العودة لأحمد زكي، لكن العناد الشديد الذي تمتع به أحمد وهالة حال دون ذلك، ليدخل أحمد زكي في حالة هستيريا بعد رؤيته صورة حبيبته هالة مع زوجها الجديد، ويزداد شعوره بالألم رؤيته ابنه هيثم بجوار والدته في كوشة الزفاف، ليمر شريط حياته أمام عينيه ويتذكر مأساته عن والدته التي تركته وتزوجت بعد وفاة والده.
فنان الغلابة الذي خطف قلوب الملايين
رسالة أحمد زكي خلال أعماله لاقت صدى واسعا وتأثيرا حقيقيا في قلوب الجماهير، لصدقه الشديد وارتباطه الحقيقي بهم، وهو ما أكده الفنان الراحل في أكثر من حوار، ففي فيلم شادر السمك، قال أحمد زكي في إحدى حلقات برنامج ليلتي مع الإعلامية أميرة عبد العظيم، إنه بعد عرض الفيلم قابله أحد تجار السمك وهو رجل صعيدي، وأقسم له أنه كان سيرتكب نفس الأفعال التي نفذها أحمد أبو كامل في فيلم شادر السمك، لكن بعد مشاهدته الفيلم خاف وعدل عن تفكيره، مضيفا: بعد مرور 15 سنة على عرض مسلسل الأيام، سافرت فرنسا عشان اتكرم في إحدى الجامعات، اتفاجأت بطالبة فرنسية بتشاور عليا وبتقول أحمد زكي - طه حسين، وفوجئت أيضا ببعض الطلاب المغاربة والجزائريين أكدوا لي إنهم سمعوا المسلسل واتأثروا به، ومنهم واحدة قالتلي أنا أبويا ترزي وليا اخوات ولاد كتير، ووالدي لما شاف مسلسل الأيام اتأثر بيه جدا وقرر إني اتعلم في فرنسا.
أعمال أحمد زكي المتنوعة جعلت منه ظاهرة تستحق الدراسة، لدرجة إن الناقد الفني طارق الشناوي أطلق عليه لقب ترمومتر الفن، أيضا الفنان العالمي الراحل عمر الشريف قال في حوار إن أحمد زكي أفضل منه ولولا اللغة لسبقه إلى العالمية.
قدم أحمد زكي للتلفزيون العديد من الأعمال، أشهرها: مسلسل الأيام، وحكايات هو وهي مع الفنانة سعاد حسني.
وعلى خشبة المسرح قدم: مدرسة المشاغبين - العيال كبرت
وفي السينما: الحب فوق هضبة الهرم - الباطنية - 4 في مهمة رسمية - البيضة والحجر - الراقصة والطبال - البرئ - امرأة واحدة لا تكفي.
وفي 27 مارس عام 2005 رحل عن عالمنا أحمد زكي، ترمومتر الفن وفتى الشاشة الأسمر، بعد صراع مع المرض عن عمر 56 عاما، تاركا حزنا كبيرا في قلوب محبيه.
