بعد ارتفاع الأسعار والحرب الأوكرانية.. كيف واجهت مصر الأزمات الاقتصادية العالمية والمحلية؟
واجهت مصر التحديات الاقتصادية سواء المحلية أو العالمية مثل التضخم وارتفاع الأسعار والحرب الأوكرانية الروسية، عبر مجموعة من الإجراءات والقرارات الوقائية التي حاولت من خلالها التصدي لأزمات اقتصادية.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، قد كشف أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية ارتفع ليسجل 8% خلال شهر يناير الماضي، مقابل نحو 4.8% للشهر نفسه من العام السابق، وكان معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل 6.5% خلال شهر نوفمبر الماضي.
واستعدت مصر لأزمات اقتصادية متوقعة قبل حدوثها بشهرين. ففي كتاب دوري أصدره البنك المركزي 10 يناير الماضي، أوضح مجلس إدارته أنه وافق في اجتماعه بتاريخ 4 يناير 2022، على إصدار الإطار العام لتعليمات سماها تعليمات السيولة الطارئة بهدف رفع جاهزية البنوك للتعامل مع أزمات السيولة المحتملة والحفاظ على القطاع المصرفي وثقة المتعاملين.
صفقات استثمارية تصل لـ 7 مليارات دولار خلال أسبوع
ولجأت مصر مؤخرا لعدد من الإجراءات الاقتصادية التي ساهمت في ضخ مزيد من السيولة الدولارية بالسوق المصري منها ما قام به رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع وزيري الخارجية والمالية القطريين لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث اتفقا الجانبان على مجموعة من الاستثمارات والشراكات في مصر بإجمالي 5 مليارات دولار، وهذه الاستثمارات لم تكن الاستثمارات الوحيدة خلال أقل من أسبوع حيث سعى صندوق ثروة أبو ظبي السيادي للاستحواذ على حصص مملوكة للدولة في شركات أبو قير ومصر للأسمدة والإسكندرية لتداول الحاويات، ضمن صفقة بـ 2 مليار دولار.
وبموجب الصفقة سيستحوذ صندوق أبو ظبي على حصص مملوكة للدولة المصرية في شركات أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة موبكو، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع وبالتالي وصلت الاستثمارات الإجمالية القطرية والإماراتية إلى حوالي 7 مليارات دولار خلال أسبوع واحد.
قرض صندوق النقد الدولي
واتجهت مصر للمرة الرابعة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي خلال آخر 6 سنوات، وذلك لمواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية على الاقتصاد المصري.
وأعلنت الحكومة مؤخرا تقدمها بطلب إلى الصندوق لبدء المشاورات بين الطرفين بخصوص برنامج جديد، يهدف إلى مساندة الدولة في خططها الخاصة بالإصلاح الاقتصادي الوطني الشامل.
وشهدت مصر تعويما للجنيه المصري في عام 2016 ليفقد الجنيه نحو نصف قيمته أمام الدولار الأمريكي، كجزء من برنامج إصلاح اقتصادي بدأته الحكومة وحصلت بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار.
وبدأت مصر مسيرتها في الاقتراض من صندوق النقد الدولي عام 2016 بحصولها على قرض بنحو 12 مليار دولار لتمويل برنامجا للإصلاح الاقتصادي، ونتيجة لتداعيات جائحة فيروس كورونا اضطرت للحصول على قرض بآلية التمويل السريع بقيمة 2.77 مليار دولار، والقرض الثالث بقيمة 5.2 مليار دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني.
قرار تخفيض الجنيه أمام الدولار
خفضت مصر قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي بنسبة 17 % تقريبا في 21 مارس الماضي في محاولة للحد من تبعات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث سجل سعر بيع الدولار الأمريكي على الموقع الرسمي للبنك المركزي المصري 18،2 جنيها مصريا مقارنة بـ 15،6 جنيها مصريا قبل قرار تخفيض العملة.
كما أعلن البنك المركزي في ذات اليوم اجتماع لجنة السياسات النقدية بشكل استثنائي لتقرر زيادة سعر العائد على الإقراض والودائع بنسبة 1 %.
وأوضح البنك المركزي، أن الصراع الروسي الأوكراني أدى إلى ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجي في ضوء هذه التطورات؛ قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي.
وقال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، إن قرارات البنك تهدف إلى الحفاظ على سيولة النقد الأجنبي وثقة المستثمرين الأجانب فكان يجب أن يحدث حركة تصحيح لسعر النقد الأجنبي تعكس التطورات الدولية.
ووفق أحمد أبو السعد عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، فإن تدفقات العملات الأجنبية بمصر تأثرت بشدة منذ شهر سبتمبر الماضي نتيجة خروج بعض الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أدوات الدين الحكومية، مع إعلان الفيدرالي الأمريكي البنك المركزي الأمريكي عزمه تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة، مما أدى إلى خروج الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة بصفة عامة مثل مصر، وعودتها مرة أخرى للدول المتقدمة.
وأضاف أبو السعد، أن مصر كانت من أكثر الدول الناشئة تضررا من خروج الاستثمارات الأجنبية لأنها إحدى أكبر الدول المستقبلة لهذه الاستثمارات، مما أدى إلى انخفاض صافي الأصول الأجنبية بالبنوك المصرية، ووصل بالسالب مما أثر سلبا على الوضع الخارجي لمصر.
وقال الدكتور عبد المنعم السعيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الحرب الروسية على أوكرانيا أثرت سلبا على الاقتصاد المصري، سواء من ناحية تراجع إيرادات السياحة المصرية، بعد توقف السياحة الواردة من روسيا وأوكرانيا والبالغة نحو 5 ملايين سائح سنويا، أو من ناحية رفع فاتورة استيراد مصر من الحبوب والقمح بعد ارتفاع الأسعار عالميا، وكذلك النفط والذي سجل مستويات ضعف المقدر له في الموازنة العامة للدولة، حيث يقدر برميل النفط في الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي 2021/2022 حوالي 68 دولارا للبرميل في حين يتجاوز مستوى 110 دولارات.
وأضاف الدكتور عبد المنعم السعيد، أن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا بالإضافة إلى زيادة البنك الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة 0.25% أثر سلبا على حجم تدفقات النقد الأجنبي لمصر، حيث اتجهت الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية للخروج من الأسواق الناشئة ومنها مصر، والتي تعد أهم الأسواق الناشئة في إفريقيا والشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الحكومة واجهت هذه التداعيات برفع أسعار الفائدة بنسبة 1%، وكذلك تخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، علاوة على طرح شهادات ادخار مرتفعة العائدة لخفض التضخم محليا.
وتابع أنه بجانب القرارات السابقة، تعمل الحكومة على الحصول تمويل إضافي من صندوق النقد الدولي وطرح سندات في الأسواق العالمية، وبدأت بالفعل مصر في الاتفاق مع الصندوق للحصول على تمويل إضافي، كما يتوقع أن تطرح قريبا سندات ساموراي بقيمة نصف مليار دولار، لإعادة هيكلة الدين الخارجي لمصر، من خلال تنويع أدوات الدين، وتوزيع سلة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وعدم الاعتماد فقط على الدولار، وجذب سيولة إضافية لسوق الأوراق المالية، في ظل الضغط على طلب الدولار.