وحوي يا وحوي.. في المشهور قوله المجهول أصله
سألني أحد الأصدقاء في المشهور قوله المجهول أصله عن أصل أغنية وحوي يا وحوي إياحا، فجعلني أطوف في تاريخها فأدخل الحروب واشتبك مع الهكسوس وأدخل في ضيافة أحمس – أحمس بتاع التاريخ وليس أح مس بتاع اللهجات الشوارعية- فقد كانت أم أحمس الملكة إياح حتب أو أعح حتب ابنة تيتي شيري وزوجة سقنن رع من المحاربات المناضلات، فرغم أنها كانت ضُرة لزوجتين إلا أنها كانت أشهرهن وأقواهن في البيت، وكانت القوية المساندة لزوجها وأبنائها في مواجهة الهكسوس في الحرب، واسمها في المصرية القديمة يعني القمر السعيد أو قمر الزمان فــ إياح القمر وحتب الزمان، وهي التي فقدت زوجها وابنها في الحرب، بعد أن ماتا مقتولين، لكنها كانت صلبة – ست زي الوتد- شجعت ابنها أحمس على القتال والدفاع عن أرضه ووطنه فوحدت جيشه، وأعادت الهاربين، وجمعت شتات الذين هاجروا، وهدأت روع الوجه القبلي (أي مملكة طيبة).
وأخضعت عصاته، فكان لها الدور الأكبر في تحقيق النصر فاعترف الشعب بفضلها وهتفوا باسمها ابتهاجًا بهذا النصر الذي حققه ابنها أحمس وعلت أصواتهم وحوي يا وحوي إياحا، أي أشرقت أشرقت يا قمر، فقد كانوا يطلقون على القمر إياح وإيوح وإعح، وقد يكون المعنى ما أجمل طلعتك يا قمر أو تعيش تعيش قمر الزمان – إياح حتب- أو مرحبًا مرحبًا يا قمر.
وباعتبارك مصري فستفهم ما أراده سابقينا من الهتاف لهذه السيدة فنحن أساتذة في الهتافات الانتخابية والحماسية من باب –أم أحمس ستهم وحارقه دمهم- وقد اعترف بطل الحرب أحمس بمكانة والدته في الحرب فكرمها وقد جسدوا ذلك في رسوماتهم على أحد المعابد وكانت من السيدات القلائل التي نالت وسام الذبابات الذهبية وهو وسام عسكري لا يمنح إلا لمن أدى دورًا جليلًا في الحرب والشائع عندنا أن الذبابة من الحشرات التي تتطفل على الأماكن فربما يرد على ذهنك- لسوء ظني وظنك- أنها كانت تحشر نفسها في الحكم من باب أنا سيدة الفراعنة الأولى لكن الأمر ليس كما ظننا ولكنه يرجع لأن الذباب من الحشرات المراوغة التي يصعب قنصها فكان التكريم بها كونها بمثابة المحارب الشجاع الذي يراوغ دون أن ينال منه العدو.
وقد كثرت الأقاويل في وحوي يا وحوي إيوحا، وإياحا فقيل بأنها كانت من أغاني المصريين القدماء للاحتفاء بالقمر والليالي القمرية، وأنهم كانوا يخرجون من منازلهم للترحيب بالهلال مطلع كل شهر وكانوا يُردِّدون "وحوي يا وحوي إيوحا مرحبًا مرحبًا يا قمر وعندما ظهرت احتفالات الفاطميين بشهر رمضان صارت عادة أن تقال هذه الكلمة في شهر رمضان وحسب ظني أن المصريين لم يتداولها بهذا الشكل الكبير إلا بعد أن كتبها محمد حلمي المانسترلي ولحنها شريف أحمد وتغنى بها المطرب أحمد عبدالقادر عام 1937م في الإذاعة المصرية، ثم أعاد صياغتها الشاعر فتحي قورة ولحنها أحمد صبري وغنتها الطفلة اللبنانية هيام يونس في فيلم "قلبي على ولدي" أمام الفنان زكي رستم في الخمسينيات الذي أخرجه المخرج المسيحي هنري بركات وهو ما يبرز عظمة المصريين في مشاركة السعادة في الاحتفالات بالأجواء الرمضانية.
وهذه الطفلة كان لها مع أغاني رمضان صولات أخرى في أغنيتها الشهيرة "اصحى يا نايم صحي النوم دحنا بقينا في شهر الصوم" كما غناها – وحوي يا وحوي- الثلاثي المرح سهام توفيق وصفاء لطفى وسناء الباروني، وتطورت الأغنية بألحانها وكلماتها فغناها محمد منير بكلمات للشاعر نبيل خلف وألحان وليد سعد في 2009م ثم ازدادت تطورًا في الكلمات والألحان في 2018م عندما غناها حكيم في مقدمة مسلسل "رمضان كريم" وظلت تتردد كل عام بين وحوي يا وحوي إياحا، وحوي يا وحوي إيوحا ابتهاجًا بهذا الشهر الكريم.
ودعني أهمس في أذنك عزيزي القارئ وأمنحك نصيحة سريعة: لا تتعجل وتتباهى ويعلو صوتك بهذه الأغنية عندما تزور دولة المغرب فوحوي وحواء ومشتقاتهم لهم مدلولات مختلفة – قليلة الأدب ولا مؤاخذة- فذكرياتك الرمضانية احتفظ بها لنفسك لا تتحدث عن أغنية وحوي يا وحوي ولا ذهابك مع والدك للحصول على العيش من الطابونة لأن فعل "حوى يحوي" كان يستعمل في المغرب كناية عن الجماع، ثم أصبح يستعمل للدلالة على أقذع ألفاظ الجماع فيه، فقد قرأت للراحل أنيس منصور في كتابه دعوة للابتسام ذكرياته التي منها: كنت في المغرب وفي عشاء رسمي جلست إلى مائدة صغيرة عليها عدد من السيدات وكان الحديث عن رمضان وما نفعله في رمضان وما يفعلونه، فقلت إننا في رمضان لم نغير الشيخ رفعت بصوته الجميل في الآذان ولا أغنية هل هلالك يا رمضان، ثم سكتُ لأقول نسيت أغنية "وحوي يا وحوي" وهنا أخفت النساء وجوههم بأيديهم وأحسست كما لو أني كنت واقفًا.