تذكرة الموت رخيصة | في 74 يومًا 5 حالات انتحار بمعدل 1.06 حالة كل 10 أيام.. وخبراء يحللون
هُناك من يشتهون الحياة فتلفظهم، وهُناك من يشتهون الموت فيناجيهم، وهؤلاء هم الذين يتصدرون المشهد طيلة الوقت، فحالات الانتحار كُثر والموتى بالعشرات.
بين الأكتئاب وفقدان الأمل واليأس من ضيق الحال أو الكفر بالأمل وبأن القادم “أحلى”، تتعدد أسباب الانتحار، ولكن في النهاية النتيجة واحدة، هُناك إنسان قرر إنهاء حياته بيده بعد أن أفرغ ما في جعبته من حلول.
تنوعت أساليب وأدوات الانتحار، الذي بات ظاهرة مُرعبة في مصر بالآونة الأخيرة، فحبل المشنقة كان سبيلًا للبعض، ومياه النيل والبحر كانت الحل السحر لآخرين، وتناول العقاقير والسموم كان ملاذًا للكثيرين، ولكن ما هو غريب حقًا، أن تُصبح وسيلة المواصلات الأسرع والأسهل في مصر (ربما في كثير من الأقات)، هي الحل السحري للموت.
أقدام تضع مصائرها على سلالم كهربائية أو أسمنتية، وشباك تذاكر تمتد كفوف الأيادي من تحت سوره الزجاجي لتشتري تذكرة للموت، وورقة صفراء اللون بها أرقام تفتح بوابة كهربائية نحو الرصيف بداية النهاية، وأعين تراقب جميع من حولها وكأنهم أشباح يراقبون خطواتها نحو الموت.
سرعة القطار
سرعة القطار والتذكرة الرخيصة ماديًا والجمع الذي لا يهتم بما يحدث حوله بحُجة أن “كل واحد في حاله” والقرار الذي يؤخذ في ثانية واحدة ويجني ثماره سريعًا، وعدم وجود فرصة ولو ضئية للنجاة من دهس العجلات وتكسير العظام وتفتيت الأبدان، كلها باتت دوافع لاختيار المترو كوسيلة للانتحار بحسب خبراء علم النفس والاجتماع.
تلك الظاهرة توحشت للغاية في مصر، ففي 47 يوم شاهدنا 5 حالات انتحار ناجحة بمعدل 0.1 حالة كل يوم وبمعدل 1.06 حالة كل 10 أيام، وسوف نستعرض تلك الحالات:
في 20 ديسمبر 2018
اعلن احمد عبد الهادى بكير، المتحدث الرسمى لشركة مترو الانفاق، عن انتظام حركة قطارات الخط الاول، بعد انتحار شاب فلسطينى أسفل عجلات مترو الأنفاق بمحطة “السادات” مما أدى إلى مصرعه على الفور.
ففي اثناء دخول القطار رقم 238 محطة السادات اتجاه حلوان بالخط الأول، فوجئ قائد القطار بانتحار شخص يدعى “رامى يوسف محمود درويش”، عمره 42 سنة، ويعمل محاسب بالمكتب العربي الفني، فلسطيني الجنسية، مما أدى إلى مصرعه على الفور أسفل عجلات القطار.
في 23 ديسمبر 2018
المتحدث الرسمي للشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، أعلن أنه أثناء قدوم إحدى القطارات بمحطة “ساقية مكي” إتجاه شبرا الخيمة، فوجئ قائد القطار بإلقاء شخص بنفسه أمام القطار، مما تسبب في بتر قدمه اليسرى، وكسر بالجمجمة، على الفور انتقل رجال الإسعاف، وتم نقله لمستشفى أم المصريين في حالة حرجة. وأضاف عبد الهادى أن الشاب يدعى “أحمد شقيرى” 38 سنة، على الفور انتقلت شرطة النقل والمواصلات وشرطة مترو الأنفاق، والعاملين بالمحطة من شركة تشغيل المترو لمكان الحادث، وتم عمل محضر بمكتب الشرطة بالمحطة، لعرضه على النيابة. بعد يومان من المعاناة جراء الإصابات التي تعرض لها شقيري عقب محاولة انتحاره، نجحت امنياته في انهاء حياته بيده، فتوفي يوم 25 ديسمبر.
في 15 يناير 2019
كشفت الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، أنه أثناء دخول القطار رقم 172 محطة “مارجرجس” في اتجاه حلوان بالخط الأول، في تمام الساعة الواحدة، فوجئ قائد القطار بأحد الأشخاص يدعى “عمر حسن جمعة علي”، يبلغ من العمر 22 سنة، يسكن بمنطقة المعادي وطالب بكلية التجارة، يلقي بنفسه أمام القطار، ليتوفى على الفور.
في 26 يناير 2019
أثناء قدوم قطار رقم 628 بالخط الثاني بمحطة “السادات” إتجاه شبرا الخيمة، فوجئ قائد القطار بإلقاء شخص بنفسه أمام القطار، مما تسبب في مصرعه.
المنتحر يدعى “محمد هشام محمد محمود”، طالب، ويقطن بشارع السيدة فاطمة محرم بك الاسكتدرية، وهو من مواليد 4 نوفمبر 1997.
1 فبراير 2019
ألقت فتاة عشرينية بنفسها أسفل عجلات المترو، مما تسبب فى بتر ذراعها و مصرعها على الفور، وبحسب أحمد عبد الهادي بكير، المتحدث الرسمي للشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، فأنه أثناء قدوم قطار رقم 308 بالخط الثاني بمحطة “ساقية مكي” إتجاه شبرا الخيمة ، فوجئ قائد القطار بإلقاء فتاة عشرينية بنفسها أمام القطار، مما أودى بحياتها.
المنتحرة كانت تدعى “شيماء.ح.ص”، تبلغ من العمر 32 سنة، ربة منزل، مطلقة ولديها 4 أطفال، وتقيم لدى منزل أسرتها بعد انفصالها عن زوجها، وبحسب التحريات فأن مرورها بضائقة مالية دفعها للانتحار بتلك الطريقة.
احصاء سابق
الاحصائيات غير الرسمية تُشير إلى انتحار أكثر من 20 شخص، منذ مايو المنصرم وحتى فبراير الجاري، وتكشف الاحصائيات ذاتها انه تراوحت أعمار المنتحرين ما بين 18 عامًا إلى 60 عامًا، وتصدر الرجال القائمة مع تقدم ملحوظ لاقدام السيدات على الانتحار.
بينما تُلمح احصائيات أخرى أنه في حوالي 14 شهرًا منذ يناير 2018 وحتى فبراير 2019، فإن عدد حالات الانتحار الناجحة على قضبان المترو، تجاوزت الـ 35 شخصًا.
تحليل الظاهرة
في البداية، أكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن ظاهرة تكرار انتحار العديد من المواطنين بمحطات مترو الأنفاق، ترجع إلى أن الإعلام المصري يسلط الضوء والاهتمام عليها بشكل كبير وهذا يعد خطرًا كبيرًا وليس حل للمشكلة.
وأشار فرويز إلى أن الشخص الذي ينوي على الانتحار يكون عنده خلفية ذهنية بما يدور حوله في كيفية الانتحار فيرى أن المترو أنسب وأسهل طريقة يدفع نفسه إليها للتخلص من مشكلاته، قائلًا: “المنتحرون يقلدون بعضهم”.
وأضاف فرويز في تصريح لـ”القاهرة24″، أن المواطنين يتأثرون بالكلام وليس لديهم وقت كافي لتحليله، سواء كان إيجابي أم سلبي، الأمر الذي يجعلنا نعترف أن الشعب بلا ثقافة علي الإطلاق.
وأوضح أن الضغوط النفسية والمشكلات التي يتعرض لها المنتحر تجعله شخص متسرع في اتخاذ قرار وهو الانتحار، والحل في هذه الظاهرة هو أن يقلل الإعلام اهتمامه بهذه القضية، فضلًا عن القبض علي أي شخص يقوم بالتعدي علي حرم عربات المترو بالمحطات ويتم استجوابه ومحاولة معرفة دوافعه للانتحار.
خبير نفسى يوضح الدوافع
بينما قال الخبير بالطب النفسي الدكتور أحمد هلال، أن دوافع الانتحار كثيرة ولكن فكرة الاقبال علي عربات المترو للانتحار فهذه تعد وسيلة حاسمة كما يعتقد الذين يقومون بذلك، مشيرًا إلى أن الهدف من ذلك في اعتقاد البعض هو التعاطف والترحم علي حالته، لإنه فقد شئ هام للغاية وهو الأسرة وفقد التحد مع أحد وسماعه عن المشكلات الذي يتعرض إليها.
وأضاف هلال لـ”القاهرة 24″ أن أغلب المنتحرين من المراهقين، ويقبل على الانتحار بسبب ضغوط أسرية أو مشاكل عاطفية، ويكون الغرض من انتحاره هو أن يبلغ أهله رسالة مضمونها: “أنتم ظلمتوني ومحدش عايز يسمعني”.
وطالب من جميع الأسر المصرية الحفاظ على أولادهم ويسمعوهم ويحلوا مشاكلهم، فإذا زادت النسبة أكثر من ذلك فيكون الأمر في غاية الخطورة ولا نستطيع أن نحل الأزمة.