علي جمعة: العطايا الإلهية تُستمطر بافتقار القلوب إلى الله والخضوع له
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، وأحد كبار علماء الأزهر الشريف، إنه إذا استشعرنا حاجتنا إلى رحمات الله ومغفرته ورضوانه أغدق الله علينا الفضل وجاد علينا بالكرم، فالعطايا الإلهية تستمطر بافتقار القلوب إلى الله تعالى والشعور بالخضوع له سبحانه، كما قال موسى عليه السلام: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، وكما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ فافتقار الإنسان إلى الله سبب للاستغناء به عما سواه.
وصف عبادة الله
وأضاف علي جمعة، من خلال منشور عبر حسسايه بـ فيسبوك: وقد أمر الله عز وجل عباده بالإنابة إليه، ووصف بذلك أنبياءه وعباده الصالحين، فأضاف الإنابة إلى حبيبه المصطفى ونبيه المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، ووصف بها إبراهيم عليه السلام إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ، وداود وسليمان عليهما السلام وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ، وشعيبا عليه السلام وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وجاء الأمر الإلهي باتباع طريق المنيبين في قوله سبحانه: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، ووعد الله تعالى صاحب القلب المنيب بالجنة فقال: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ.
وأردف جمعة بـ: والمسلم مأمور بالإمعان في تدبر آيات القرآن، والتعامل مع كلام الله عز وجل كلمة كلمة، والوقوف عندها تفكرا ونظرا، وعليه أن يتفاعل مع الأوامر الإلهية بعمل برامج لتنفيذها، فإذا قرأ قوله سبحانه وتعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ فعليه أن يقف مع نفسه ومع ربه ليضع برنامجا لكيفية الإنابة إلى الله تعالى، ولذلك كما كانت الإنابة إلى الله تعالى حالة ينبغي للعبد أن يكون عليها مع ربه فإنها أيضًا عند أهل الله تعالى مرحلة من مراحل الطريق إلى الله سبحانه. وهذه المرحلة تأتي بعد اليقظة، والتوبة، والمحاسبة، وأصل الإنابة في اللغة يدل على الرجوع، وهي تدور في كلام أهل الله على أربعة معان: المحبة، والخضوع، والإقبال على الله، والإدبار عما سوى الله.
وأشار علي جمعة: وأعظم ما تتجلى الإنابة في الصلاة، ولذلك جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمود الأمر وأهم شيء فيه، وقال في شأنها: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر، وإنما لم يقل فهو كافر رأفة بالأمة، فلو قالها لخرج تارك الصلاة من الملة، لكنه قال: فقد كفر،أي: ارتكب عملًا فظيعًا شنيعًا من أعمال الكفار، وقال تعالى في عظم شأن الصلاة: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ، ولذلك جمع الإمام الحافظ محمد بن نصر المروزي الأحاديث الدالة على تعظيم شأن الصلاة في كتابه القيم تعظيم قدر الصلاة.
وأوضح مفتي الجمهورية السابق: وشهر رمضان هو شهر الصلاة وشهر القيام حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرغب الناس في قيام رمضان ويقول: من قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، وقد سن سيدنا عمر للأمة في رمضان هيئة صلاة التراويح وكيفيتها، فهي سنة نبوية في أصلها، عمرية في كيفيتها.
واختتم جمعة: والصلاة دليل الإنابة، وهذه الدلالة تظهر في استقبال القبلة، فإن ذلك يذكرك بالإقبال على الله وأنت فيها، حيث جعل الله لك وجهة تتوجه إليها فلا تصلى إلى أي مكان، وكان من الممكن أن تكون القبلة في اتجاه آخر، كما كان من الممكن أن تكون صحيحة في أي اتجاه، ولكنه سبحانه وتعالى جعلها إلى جهة الكعبة وحدها، إشارة إلى الإقبال والتوجه، فالصلاة تلفتك بالاستقبال إلى الإقبال، وفي الوقت نفسه وأنت مستقبل القبلة تكون مستدبرا العالم، وعندما تقول: الله أكبر يحرم عليك الكلام والأكل والشرب والعبث واللعب وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ يعني ساكتين، فكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.