الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اجتهادات التوثيق والنقل والرواية بعد 11 هجريًّا 1-2

الأحد 10/أبريل/2022 - 11:48 م

روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تَكْتُبُوا عَنِّي، ومَن كَتَبَ عَنِّي غيرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وحَدِّثُوا عَنِّي، ولا حَرَجَ، ومَن كَذَبَ عَلَيَّ، قالَ هَمَّامٌ: أحْسِبُهُ قالَ، مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.
المصدر: صحيح مسلم وحكمه صحيح.
لم يرد فيما رُوي عن النبي أن الحديث السابق ذكره جاء بسبب موقف كذب حدث في حضرته الشريفة، وإنما سببه ومناسبته -على الأرجح- وضع ضابط لتبليغ الصحابة من يعقبهم بشأن سنة النبي بتفريعاتها.

الفرق بين الكتابة والتدوين

ولكي يكون المدخل ممهدًا والدرب سالكٌ لا بد من توضيح أمرين وهو الفرق الجوهري بين:

الكِتابة وتعد هي المرحلة الأولى لكتابة الشيء بالخط فقال صاحب المحكم ابن سِيده، رحمه الله: (كَتَبَ الشَّيءَ يَكتُبُه كَتْبًا، وكِتابًا، وكَتَبَه: خَطَّهُ).

أما التَّدوين فهو المرحلة الثانية للكتابة ويعني جمع الأوراق والصحف التي كتبت بالفعل في كتاب واحد، حيث قال الفيروز آبادي رحمه الله: (الدِّيوان: مُجتمع الصُّحُف، وجَمْعُه: دَوَاوين، ودَيَاوِين).

واتفقَ معظم المتقدمين على أن المحاولات الجادة لجمع السنة جاءت بعد فتنة عثمان (35 هـ)، وما سبقها محاولات واجتهادات دون الوصول لمنتج كامل واضح المعالم، وقد حجمها -محاولات التدوين- إما الخوف من الإقدام على عمل غير مسبوق (قد يكون بدعة)، أو عدم وجود علم راسخ وأسس يمكن الاعتماد عليها والاقتداء بها نظرا لعظم وخطورة أمر التدوين، حيث سيُنقل: قولُ وحي وقولُ نبي وتشريعٌ ودينٌ وغيرها من الأمور الضرورية والمصيرية لاستمرار الحياة بإيقاع منضبط، خصوصا الجانب الروحي للأفراد.

لكن المراوحة الواسعة التي لا تنقطع من أصحاب الأفكار والمبادئ المعارضة والكارهة وغير المستنيرة لا تتوقف، تخرج بين الحين والآخر بما لم ينزل الله به سلطانا، فبين طعن عقلي منطقي، وشطط وغلو في الطعن دون حجة ودليل، ما انفكت تلك المحاولات أن تضرب يمينا ويسارًا، ولكنه يمكن تأطيرها تحت سُنة وباب الدَّفع، فقال العزيز الحكيم:......وَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَي الْعَالَمِينَ، وهي للمتأني والعاقل المتدبر، فائدتها عظيمة وتجري دومًا في صالح مزيد من التوثيق واليقين من حجة وسند الرواية.

البدء الحقيقي للتدوين

كما عصر عمر بن عبد العزيز شهد محاولات جادة من عمر بن عبد العزيز ابن شهاب الزهري، رضي الله عنه، وهو أول من دون السنة النبوية، وذلك لأنه كان معاصرًا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، الذي عمل على تسخير السبل كافة لتدوين وجمع الأحاديث، لكنه لم يكمله كما فعل شهاب الزهري، فجمع كل ما سمعه من الصحابة، وبعد ذلك سلك العديد من العلماء في العديد من المدن مسلك الزهري نفسه في التدوين مثل: ابن جريج،، وسعيد ابن أبي عروبة، والإمام مالك، وابن إسحاق، والثوري، والأوزاعي، ثم بعد ذلك ظهرت كل المسانيد ثم ظهر عقبها، كلٌ من: صحيح البخاري ومسلم.

وهذا يعني أن الأحاديث النبوية والسيرة النبوية ربما كانت مكتوبة بالفعل قبل بداية تدوينها في القرن الأول الهجري، ولكنها لم تُجمع في كتاب واحد بشكل مرتَّب.

استحداث عِلم الرِّجال أو الجَرح والتَّعديل 

لم يعرف العرب ولا العجم علمًا يدقُ هذا الباب من قبل، فنشأته مرتبطة ارتباطا وثيقا ليس بنقل الكلام وحسب بل باتباع منهجية دقيقة في تمييز الرواة والمتون والاسانيد.

والجرْح لغةً هو: التأثير في الجسم بسلاحٍ أو نحوه فيؤدّي إلى القطع أو الشقّ فيه، أمّا في اصطلاح علماء الحديث: فهو صفةٌ في الرواة تقتضي أن تسلب عدالتهم -أي وصفهم بالسلامة من الفسق وسيئ الأخلاق- أو ضبطهم -أي حفظهم للحديث-؛ ما يعني ردّ روايتهم أو تضعيفها، والتعديل لغةً: هو تقويم الشيء وتسويته، وأمّا في اصطلاح علماء الحديث: فهو صفةٌ في الرواة تقتضي الحكم عدالتهم أو ضبطهم؛ ما يعني قبول روايتهم وصحتها، فالجرح والتعديل: علمٌ يقوم فيه علماءُ الحديث المتخصصون ذوو الخبرة بالحديث وعِلله ورجاله بالبحث في حال الرَّاوي؛ من حيثُ القَبول والردّ، والهدف منه؛ حماية وصيانة السنّة النبويّة والذبُّ عن الشريعة، من كلّ من يحاول الطعن فيها أو النيل من سمعتَها.

ومن أسباب نشأته أنه حينما أوصى صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالاحتياط في رواية الحديث عن رواته، وأن يُؤخذ الحديث عن راوٍ موثوقٍ في دينه وحفظه، فالموثوق في الدين: هو الراوي العدل، والموثوق في الحفظ: هو الراوي المتقن للحديث والضابط له، إلّا أنّ ظهور الفرق وأصحاب البدع بعد عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- وعهد من تبعهم، تسبّب في ظهور الوضع والكذب في الحديث؛ وذلك من أجل نصرة الفرقة والبدعة والهوى، فكان أصحاب البدع والأهواء يختلقون أحاديث؛ لتنصر وتؤيّد بدعتهم أو آراء فرقتهم، وقد كان علماء الحديث قبل ظهور هذه الفتن لا يسألون عن الأسانيد، ويقصد بالسند: سلسلة الرواة الذين تناقلوا الحديث وصولًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا ظهرت وشاعت تلك الفتن؛ أصبح أهل الحديث يسألون عن أحوال رواة الحديث، فإن كانوا من أهل الدين والحفظ أخذوا حديثهم، وإن كانوا من أهل البدع والأهواء ردّوا حديثهم، قال ابن سيرين عن علماء الحديث: "لم يكونوا يُسألون عن الإسناد فلما ظهرت الفتن قلنا لهم: سمّوا رجالكم، فمن كان من أهل السنة أخذنا حديثه، ومن كان من أهل الأهواء والبدع طرحنا حديثه"، وقد شاع آنذاك بين عامة الناس قاعدةٌ مفادها أنّ أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- دينٌ؛ فانظروا عمّن تأخذون دينكم.

تعتبر كتب الرجال من أهمّ مصادر معرفة حال الراوي من حيث جرحه وعدالته، وهي على أربعة أقسامٍ، بين 1- الرواة الثقات العدول، 2- مصنفات ضعاف الرواة 3- مصنَّفاتٌ خاصَّةٌ بالرواة الثقات والضعفاء مصنَّفاتٌ خاصَّةٌ برجال الكتب الستّة المشهورة المختصة بحديث رسول الله: ومثال الأول: "كتاب الثقات لابن حبان". ونموذج الثاني: "كتاب الضعفاء الصغير" للبخاريّ، و"لسان الميزان" لابن حجر. ومثال الثالث: "التاريخ الكبير" للبخاريّ، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد. وأخيرا نموذج الرابع، "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزِّي.

 

لماذا استهداف البخاري تحديدًا بالطعن دون سابقيه؟

ربما يزول اللبس عند القارئ الكريم حول سؤال: لماذا البخاري وأحيانا مسلم دون غيرهما يتم تناول منتجهما بالنقد والطعن تارة بشكل يبدو وجيها وأخرى بـواسطة -التلبيس- على العوام وغير المختصين، والسبب هو أن محاولتا البخاري ومسلم لم تكن الأولى فكان الأحرى بالطاعن تناول المُتقدِّم زمنا، إلا أنه فضل تناول التجربتين اللتين جاءتا بعد اختمار ونضوج المحاولات، ومتأخرتين إلى حد ما، وإخراج صحيحي البخاري ومسلم كونهما تبنيا منهجًا علميا  ضابطا قويما للأخذ والتدوين والنقل لمختلف الأسانيد والمتون، لذا النجاح في هدمهما هو أصعب ما يقابلهم، وإن نجحوا فيه كان ما سواه بسيطا سهلًا ليّنًا.

والغريب وربما المنطقي في الوقت نفسه، هو عدم تعرض المتأخرين للأوائل في الرواية، لأنه أساس دون مبنى قائم، فماذا يهدمون؟ لا شيء.

مما جعل السنة تضيع أن الإمام البخاري قام بعد 200 سنة من عهد النبوة باختراع الأحاديث والسنة! وألّف من خياله كتابه المشهور صحيح البخاري، أما السنة النبوية الحقيقية فقد ضاعت في تلك السنين الطويلة!! ثم يزيدون في التشكيك والطعن بالسنة النبوية وعلى صحيح البخاري بأنه يستحيل قيامه بجمع صحيحه في 16 سنة من بين 600 ألف حديث مكذوب وباطل ومحرف ومطعون في رواته.
ومما يساعد في رواج مثل هذه الأطروحات، الأمية في الثقافة الشرعية لدى الشباب وبعض المتعلمين، خاصة ما يستوجب إعادة النظر في مواد الثقافة الاختيارية في التعليم الجامعي، بحيث تصبح إلزامية حتى نجنب مجتمعاتنا التطرف والغلو ونجنبها موجات الإلحاد والتشكيك بالدين.

نواصل في المقبل بمشيئة الله……
 

تابع مواقعنا