فتوى سابقة | هل يجب إغلاق محلات الطعام والشراب في نهار رمضان؟.. عالم أزهري يجيب
أعاد الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف، نشر فتوى نصها: هل تغلق محلات الطعام والشراب في نهار رمضان إعانة للصائمين على الصيام؟.
وأجاب العالم الأزهري على السؤال عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قائلا: لو قال بذلك قائل -استنادا إلى قاعدة سد الذرائع - لكان أقرب إلى الجنون منه إلى العقل؛ لأنه مبني على تصور أن المسلم غير معظم لحرمة الشهر الكريم، فتستثيره المثيرات، فيقع في الحرمة، والشأن أنه إنما صامه عن رغبة وإرادة، وأنه معظم لحرمات الله ابتغاء رضوان الله، ولو شاء لأفطر سرا، دون أن يعلم به أحد، إذ المريد للفطر لا يحتاج أن يجاهر به سترا على نفسه، ودفعا للوم والتوبيخ، ولا اعتبار في مثل هذا بالشواذ الذين يجاهرون بالفطر؛ فإن الحكم للغالب.
وأضاف العالم الأزهري: صيام رمضان على الخصوص من بين سائر العبادات؛ يربي في المسلم مراقبة الله تعالى، لا مراقبة البشر، فهو يصوم لله، لا للبشر، ثم هو يحافظ على صيامه سرا وعلانية، ويتحفظ ما استطاع مما يخل بصيامه؛ ولهذا المعنى قال الله تعالى في الحديث القدسي: الصوم لي، أي: لا يعلمه غيري، ولا اطلاع لأحد عليه سواي، وهو أحد المعاني التي حمل عليها الحديث.
وتابع العالم الأزهري: على أنه كما يجب سد الذرائع؛ فإنه يجب فتحها أحيانا، كما هو مقرر عند العلماء، مؤكدا: ثم إن فتح محلات الطعام والشراب ضرورة حياتية؛ إذ هناك من لا يجب عليه الصيام أصلا من غير المسلمين، سواء كانوا شركاءنا في الوطن أو أجانب عن البلاد، ووفدوا لعمل أو ترفيه.
يوجد من المسلمين من لم يجب عليه الصيام كالمرضى والأطفال
وتابع: كما يوجد من المسلمين من لم يجب عليه الصيام أصلا كالأطفال والبله والمرضى، ومن سقط عنه الصيام لعذر كالشيخ الكبير والمريض والمسافر والمرأة الحامل والمرضع والحائض والنفساء، وقد تضطرهم الحاجة إلى الأكل في المطاعم، فماذا عساهم أن يصنعوا إذن؟.
وأشار العالم الأزهري في حديثه قائلًا: أذكر أنني قد عطشت يوما وأنا صائم حتى كدت أن أهلك، في يوم شديد الحر، وأنا مريض بضغط الدم المرتفع، وكنت في محطة رمسيس، فاتجهت إلى محل عصير قصب، فشربت كأسا من العصير دفعة واحدة، وزجاجة مياه دفعة واحدة، فكأنما كنت ميتا فردت إلي الروح، وعادت إلى الحياة، ووجدت بعض الجنود المتعبين من الخدمة والسفر الطويل إلى الصعيد ووجه بحري يصنعون مثلي وقد تصببوا عرقا شديدا، وجميعنا كان يفعل ذلك وهو متحرج، ونحن جميعا واقفون عند حدود الشريعة لم نتجاوزها؛ إذ الشريعة تقول: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، أي: فأفطر، وتقول: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقول: وما جعل عليكم في الدين من حرج، وتقول: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وتقول: فمن اضطر غير باغ ولا عاد؛ فلا إثم عليه، وتقول: ولا تقتلوا أنفسكم؛ إن الله كان بكم رحيما، وتقول: لا ضرر ولا ضرار.
وتسائل أستاذ الحديث: فلو لم تكن مثل هذه المحلات مفتوحة؛ فماذا كنا نصنع؟.
وأوضح أنه لم يرد في السنة المطهرة ولا في السيرة النبوية المشرفة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإغلاق الأسواق التي فيها المطاعم والمشارب في نهار رمضان، ولا فعل ذلك أحد من خلفائه الراشدين المهديين من بعده، فدل ذلك على أن إغلاقها في نهار رمضان ليس من مقصود الشارع، بل مقصوده بقاؤها لحاجة الناس، على النحو الذي بيناه، كما أن من الناس من يشتري منها إفطارا جاهزا، سواء لبيته، أو لإفطار الصائمين، أو لإطعام الفقراء والمساكين، وهي تستعد لذلك من النهار قبل الإفطار، وليس لصاحب المحل أن يستفصل من المفطر: هل أنت مسلم أم غير مسلم؟ وهل أنت صاحب عذر أم لا؟؛ لأنه بائع وليس بفقيه، والمفطر إنما جاءه مشتريا لا مستفتيا.