لماذا لم يسِر المركزي الأوربي على خطي الفيدرالي الأمريكي ويرفع سعر الفائدة؟
تشهد جميع دول العالم ارتفاعا كبيرا في الأسعار، لا سيما السلع الأساسية والطاقة، التي دفعت التضخم للوصول إلى قيم تاريخيه لم يصلها منذ 40 عاما، كما في الولايات المتحدة و20 عاما كما في روسيا، والأعلى في ألمانيا منذ 28 عاما، كما ارتفع أيضا لمستويات قياسية في 19 دولة تتعامل باليورو، وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، وهذا دفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدل الفائدة الأمريكية لأول مرة منذ عام 2018.
الحرب الروسية الأوكرانية، كانت المحرك الأكبر لرفع معدلات التضخم، بعد أن دفعت أسعار الغذاء وهما أكبر الدول المنتجة والمصدرة للقمح والطاقة إلى الصعود لمستويات غير مسبوقة، أثرت على الموازنات المالية للدول وشلت حركة الإنتاج وخفض معدلات النمو، وبالتالي كان على البنك المركزي الأوربي أن يسير على نفس خطى الفيدرالي الأمريكي، ويبدأ في الرفع التدريجي لأسعار الفائدة لامتصاص وكبح الضغوط التضخمية على الأسعار، لكن هذا لم يحدث وأبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير عند 0%، وفائدة الإيداع عند 0.5%، مع سعيه لإنهاء برنامج شراء الأصول في الربع الثالث من 2022.
التضخم في منطقة اليورو وصل إلى 7.5% العام الجاري
وكان البنك المركزي الأوروبي، حذّر من أن التضخم في منطقة اليورو قد يصل إلى 7.1% هذا العام، في سيناريو قاسٍ يسعى لاستيعاب عواقب وضع متفاقم من جرّاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسي.
يقول محمد أبو زيد الخبير المصرفي الدولي، إن معدل التضخم في منطقة اليورو ارتفع في مارس الماضي إلى مستويات قياسية، حيث وصل التضخم إلى 7.5%، وهو مستوى تاريخي لم تعهده من قبل، ولكن يبدو أن أسباب التضخم في منطقة اليورو تختلف عن مثيلتها في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية، فالمركزي الأوروبي يرى أن ارتفاع الأسعار، ناتج عن نقص أو ضعف المعروض من السلع وليس بسبب قوة الطلب، حيث سجلت منطقة اليورو نموا ضعيفا في الربع الأخير من عام 2021 بلغ 0.3% فقط، كما لم ترتفع الأجور إلى المستوى الذي يزيد من حجم الطلب في السوق الأوروبي.
وأضاف الخبير المصرفي لـ القاهرة 24، أن الأسباب الرئيسية لذلك النمو الضعيف هو ارتفاع أسعار الطاقة بصورة كبيرة، حيث ارتفعت أسعار الطاقة في مارس الماضي، بما يعادل 45% من الأسعار التي كانت سائدة منذ مارس 2021، كما أن الارتباك في سلاسل التوريد من منطقة جنوب شرق آسيا ما زال يؤثر بصورة كبيرة على توفر المعروض من السلع، أما السبب الأحدث والذي تسبب في تفاقم التضخم، هو الحرب في أوكرانيا، والتي فاقمت من ضعف ثقة المستثمرين.
وتابع أبو زيد: ويبقى السؤال، لماذا استمر المركزي الأوروبي في برنامج شراء الأصول، والمعروف بالتيسير الكمي منذ عام 2015 وحتى الآن؟ وهل آتت تلك السياسة ثمارها وجعلت منطقة اليورو أكثر نموا؟.
ذكر أبو زيد، أنه من الواضح أن سياسة التسهيل النقدي التي أتبعتها أوروبا منذ عام 2015، حافظت على المستوى المستهدف من التضخم والذي يبلغ 2%، ولكن ما إن ضربت جائحة كورونا العالم، وما تبعها من إجراءات الإغلاق الاقتصادي، وارتباك سلاسل التوريد، فتهاوت تلك السياسة ولم تؤدي الغرض منها، بل وفاقمتها حرب محدودة على حدودها الشرقية، وكان الارتباط بالغاز الروسي القريب جغرافيا والمصدر الأرخص للطاقة لأوروبا، العامل الأكثر ضغطا على رفع مستويات التضخم، خصوصا بعد قرارات العقوبات الاقتصادية على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، ووضع أوروبا في مأزق لضرورة البحث عن مصادر أخرى بديلة للغاز الروسي، سواءً من قطر أو النرويج، بل وصل الحال إلى التلويح لإيران بإمكانية تمرير الاتفاق النووي معها مقابل الغاز والنفط الإيراني.
وأضاف أن المركزي الأوروبي، يحاول بكل قوة أن يتجنب حالة من الركود التضخمي، حيث يرتفع التضخم مع عدم مواكبة ذلك نموا اقتصاديا مناسبا، بل يترافق معه ركود اقتصادي، كما يبدو أن الحرب في أوكرانيا لن تستمر للأبد، وسيكون على أوروبا اتخاذ الخطوات والسياسات النقدية والمالية المناسبة، التي تحافظ على قوة اليورو ورفع معدلات النمو الاقتصادي.