سلام لأرض الفيروز.. القاهرة 24 داخل شمال سيناء: شريان للحياة وأحلام تولد من جديد | معايشة
مهندس برفح الجديدة عن تهديدات الإرهابيين: زميلي قالي هاتلي مياه قبل ما ينفذوا تهديدهم.. قلتله هتفضل كدا عطشان طول عمرك
جزار من معرض أهلا رمضان بالعريش: اللحوم بـ95 جنيها.. ونحن أسرة واحدة بلا جشع أو غش
سنوات طوال تكبد فيها الشعب المصري من ويلات الحرب ضد الإرهاب الكثير.. فبين خسائر اقتصادية يظنها البعض الأغلى، وخسائر بشرية من المدنيين والعسكريين من أبناء مصر، يظل السؤال الأبرز في أذهان الكثيرين ماذا بعد؟
ماذا بعد كل تلك الجولات الناجحة لأبناء الدولة المصرية في حربهم ضد "الشاردين"، كما يلقب أبناء شمال سيناء الإرهابيين، في إشارة منهم إلى شرود فكرهم وتمكن عناصر غريبة على توجهاتهم.. ولهذا ينقل "القاهرة 24" صورة حية من داخل محافظة شمال سيناء، من خلال تقديم الصورة من أرض الواقع، عبر الإجابة عن: كيف يعيش المواطن داخل المحافظة في ظل الظروف الحالية، وما هو نصيب سيناء من قطار التنمية الذي يتحرك داخل ربوع مصر.. وهل تحصل تلك البقعة النفيسة على حقها بعد كل ما تكبدته من تضحيات.. من خلال جولات داخل مدينة العريش وعدد من القرى أبرزها الشيخ زويد والشلاج والمساعيد.. ننقل صورة حية لما يحدث في شمال سيناء..
وقال مصطفى عبد الفتاح، رئيس قطاع مياه الشرب والصرف الصحي بمحافظة شمال سيناء: تتجه الدولة المصرية إلى توفير الموارد بشكل عام، وفي شمال سيناء أيضًا، حيث بدأت الدولة في إنشاء محطات لتحلية مياه البحر بالمحافظة، خاصة مع التخطيط لعودة النشاط الزراعي داخل المحافظة، واستغلال كل شِبر من الأرض للتنمية والعمران الزراعي والصناعي، على حد سواء، فبدأت الدولة في إنشاء محطتين في حي الريسة وأخريين بحي المساعيد واثنتين جديدتين بقرية الشيخ زويد بالمحافظة.
وأكد رئيس قطاع مياه الشرب والصرف الصحي بمحافظة شمال سيناء، أن محطة الريسة تنتج 5000 متر مكعب في اليوم الواحد، وأخرى مجاورة من تنفيذ إدارة المياه بالقوات المسلحة تنجح في إنتاج 10000 متر مكعب في اليوم، بتكلفة 886 مليون جنيه، وهو ما يعني أن محطتين على هذه الرقعة من الأرض قادرة على إنتاج 15 ألف كم مكعب من المياه يوميًا، وهو رقم جيد جدًا لمشروع جديد يخدم أهالي شمال سيناء، في إطار سعي الدولة الحثيث نحو إعادة الحياة لطبيعتها، بل تطوير المعيشة في المحافظة.
وتابع: لم تتوقف الدولة عند هذا الحد، فنحن على علم بأن المشروعات تخدم المحافظة بأكملها، ولكن كان لا بد من توافر عربيات لمياه لتوصيلها إلى الأماكن الوعرة، وأخرى لكسح السيول والمجاري، خاصة مع عمل القوات المسلحة بالمحافظة على تحسين البنية التحتية في عديد من المجالات، خاصة الطرق، لتسهيل التواصل بين قرى المحافظة.
وعن محطة الريسة، شدد عبد الفتاح على أن المحطة أسهمت بشكل بالغ في رفع المعاناة عن الأهالي، خاصة مع العمل لسنوات بنظام المناوبات، وتحديد أوقات معينة لتوفر المياه، وهو ما انتهى تمامًا بوجود تلك المحطات المذكورة، وهو ما يضع شمال سيناء على خطى مدن مصر كلها، خاصة مع بدء حل أزمة المحافظة مع الكهرباء، لتصبح الحياة في شمال سيناء طبيعية 100%، خاصة أننا على مشارف دخول محطة الكيلو 17 إلى العمل، فهي محطة عملاقة فستقدم 5000 متر مكعب من المياه يوميًا، وتخدم منطقة شرق الوادي، ممثلة في الضواحي والعبور والرائد، وعرب السادات والريسة ودريم لاند.
كما داعبت أعين الناظرين وجود صرح عظيم قد يوفر لأهل محافظ شمال سيناء الكثير، فيداعب أعين أحمد ومحمد من أبناء قرية الريسة بمدينة العريش، الذين يتأتون يوميًا إلى الشاطئ بالقرب من محطة تحلية المياه بالقرية، لمداعبة الرمال بأناملهم وتبادل أطراف الحديث أحيانًا، خاصة أن المكان لم يكن يسمح لنا بالاقتراب منه نظرًا للظروف، على حد قولهم.
أحمد ومحمد.. طفلان قُدر لها أن يعيشا طفولة ليس كباقي الصبية، فهم من أبناء محافظة قررت أن تحمل على عاتقها أمن وطن بأكمله، فهي خط الدفاع الأول ضد الإرهاب، وهؤلاء الشاردون الذين أبوا أن يعملوا بما أنزل الله، وقرروا اعتبار من دونهم كفارًا، يجب محاربتهم بل قتلهم ومنعهم حتى من العيش بأمان، ذلك الحق الذي وهبه الله لكافة عباده، لتتحول الأمور بعد سنوات من المقاومة ودحر الإرهاب، وتجفيف تلك المنابع العكرة، التي أنجبت عقول نضبت وقلوب من حجر.
يتحدث محمد لـ "القاهرة 24" ليقول: أنا من العريش ووالدي يعمل في تصليح السيارات في القاهرة، وكان يريد أن ننتقل للعيش معه هناك، خاصة أن عمل والدي هناك، ولكن والدتي رفضت الأمر وأنا وأخي أيضًا، وبسؤاله عن السبب قال: لن نترك أرضنا أبدًا حتى لو كوم تراب، فهنا أصحابي وأهلي والجيران التي أعتبرهم أكثر من أهلي، فهم أهلي بالفعل، وأي تحرك بعيدًا عن تلك الدائرة أمر صعب للغاية بالنسبة ليّ.
ويقول أحمد، الشقيق الأصغر الذي ظل صامتًا يشاهد أخيه وهو يتحدث بثبات وانبهار، فيقول: لاحظت رفض أمي وتصميم أخي فقلت لن أغادر وحدي، فأبي كان هنا يخرج لأيام بحثًا عن الرزق، ثم يعود ومعه حلوى وأشياء طلبتها أمي، الأمر لا يختلف كثيرًا، ولكنه سيصبح صعبًا للغاية.
ويتابع محمد: أنا هنا الآن في أفضل حال، ألعب مع أخي وأصحابي، وأعيش وسط عائلتي وعلى أرضنا في بيوتنا، نساند بعضنا على فراق والدي، ولكن مَن يعيننا إن غادرنا العريش وذهبنا إلى القاهرة بعيدًا عن أهلنا، هل يعينني شخص واحد على فراق كل هؤلاء الأشخاص، علمًا بأنه سيغيب أيضًا يوميًا نظرًا لظروف العمل، فوجودنا في أرضنا يصبّرنا على فراق والدي لثلاثة أسابيع شهريًا، ولكن فراق الأرض والعائلة لن نستطيع تحمله.
وعن مستقبلهم وأحلامهم يقول الأخوان: أنا أتمنى أن أظل مع أحمد طول العمر، ولكن إن سنحت لي الفرصة للسفر فأكون لاعب كرة محترف مثل محمد صلاح، وألعب في أكبر دوريات العالم، ليقاطعه أخوه الأصغر ليقول: لا بلاش سفر.. أنا عاوز أبقى ضابط عشان أقبض على كل الشاردين، في إشارة إلى العناصر الإرهابية.
وبالحديث عن التعليم ومستقبل الأطفال، انتقل محرر "القاهرة 24" إلى مدرسة الشهيد الرائد محمد الزملوط الرسمية للغات، تلك المدرسة التي يؤكد أهالي المنطقة هناك أن المدرسة أنشئت منذ قرابة عام، في منطقة كانت عبارة عن طريق وعر في صورة مدق، يسكنه عدد من الإرهابيين؛ محاولين شن الهجمات على الأهالي والقوات المسلحة، ولكن حالت جهود الدولة المصرية وقواتها المسلحة دون حدوث ذلك، لتتحول المنطقة في النهاية إلى صرح لتعليم أبناء مدينة العريش العلوم المختلفة، في يوم دراسي منظم، ليبدأ بإذاعة مدرسية ناطقة بالإنجليزية والفرنسية والعربية على حد سواء.
ومن داخل المدرسة، تتحدث أمل رشدي، إدارية بالمدرسة، من أهالي مدينة العريش، قائلة إن المدرسة تعمل بشكل منتظم للغاية، وذلك لشعور كل أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بقيمة الدور الذي يقدموه، فنحن هنا مسؤولون عن تخريج جيل جديد من أبناء مدينة العريش، جيل قد يحمل لواءً لتغيير الصورة كليًا، نأمل بألا يعيش فترات صعبة كالتي عشناها، ولا يتعرض لأفكار سيئة كالتي كنا نسمع عنها في الماضي، فالتعليم هو سبيله إلى الحياة السليمة
وعن دورة العمل بالمدرسة، تؤكد رشدي أن المدرسة بها نحو 600 طالب وطالبة بمختلف المراحل، ويعمل بالمدرسة نحو 60 مدرسًا، وهو ما يعني أن هناك مدرسًا واحدًا لكل 10 طلاب بالمدرسة، علاوة على أن عدد الطلاب بالفصول منخفض؛ فلا يزيد عدد الطلاب في الفصل عن 45 طالبًا بأقصى تقدير؛ وذلك حرصًا مننا على مستوى الطلاب بالمدرسة.
وتقول نهال إبراهيم، مدرسة لغة عربية بالمدرسة، إن المدرسة هنا تشهد طفرة متطورة في مستويات الطلاب، ولا نبالغ بأن نقول إن أوائل الجمهورية في الفترة المقبلة سيكونون من مدينة العريش، لأن أولياء الأمور هنا لديهم رغبة في لحاق أبنائهم بأفضل مستوى تعليمي، وأي ملاحظات من هيئة التدريس على سلوك الطالب أو مستواه التعليمي، ونجد استجابة فورية ورغبة في تطوير السلوك من ولي الأمر.. فهو يرغب بحق في تطوير ابنه قدر المستطاع.
ومن داخل الشارع بمدينة العريش، كان من المنطقي التحدث مع المواطنين عن الأحوال والأسعار، فهي الشغل الشاغل للمواطن في شتى ربوع مصر، ولكن لا يأبه سكان العريش لهذا الأمر، حيث يتحدثون عن كيلو لحم يصل ثمنه إلى 90 جنيهًا، وأرخص كرتونة بيض في مصر، وتوافر كامل لياميش رمضان بأسعار تنافسية.
ويقول الحاج حاتم خليل، جزار من داخل معرض أهلًا رمضان، الذي يبيع كيلو اللحوم بـ90 جنيهًا فقط للمواطن بمدينة العريش؛ الأمر الذي يعده الناس في مصر كلها أمرًا يدعو للتساؤل، خاصة أن أسعار اللحوم البلدي في مصر كلها تجاوزت حتى هذه اللحظة 140 جنيهًا.
حاتم يتابع: اللحوم متوفرة في العريش، بفضل تعاون وزارة التموين وبالتعاون مع معارض أهلا رمضان، وبدعم القوات المسلحة، نبيع الحوم البلدي بـ90 جنيهًا للكيلو، وترعى المواشي في مراعٍ خاصة بنا، ونحن أهل العريش لا نقبل إلا أن تكون اللحوم "نمرة واحد" فنحن أصل اللحوم ونعرف الفرق بين المضبوط والمجمد، فلا يمكن أن نغش ولا يمكن لمواطن لا يستطيع التفرقة بين الأنواع.
ويتابع: السعر الأصلي للحوم 95 جنيهًا، وتدعمها الوزارة بـ5 جنيهات، لتقدم للمواطن بـ90 جنيهًا للكيلو؛ الأمر الذي يخفف من على كاهل المواطن العرايشي الكثير، فالناس جميعًا هنا عانت الكثير، وتحملت فوق طاقتها ما لا يتحمله بشر من ظروف صعبة خلال السنوات الأخيرة، فكان لا بد من تقديم العون بأي شكل، فكلنا هنا عائلة واحدة بلا جشع أو استغلال.
وبتحقق عنصر التعليم، وسعي الدولة لإعادة بناء البنية التحتية بشمال سيناء، كان من الواجب توفير عنصر السكن الجيد لبناء جيل جديد بشمال سيناء، جيل ينشأ من رحم الرعاية وبين أياد العلم، فكان من اللازم توفير مساكن بدلًا من قريناتها التي تأثرت بعد الحرب على الإرهاب الذي شهدته محافظة شمال سيناء، حيث نجحت الدولة في السيطرة على الأرض، وفرض السيادة المصرية شرقًا وغربًا، وتنقية أرض من الألغام، وهو ما كبد الدولة أغلى ثمن يمكن أن تدفعه الأمم في حربها ضد التطرف.. أرواح الشهداء الذين قرروا الرحيل في سبيل تطهير الأرض، ليتمكن البقية من السير على الأرض دون عناء الخوف وكبد التوتر.
وعلى بعد قرابة 7 كيلومترات من الشريط الحدودي المصري مع قطاع غزة.. شرعت الدولة المصرية في بناء سكنية متكاملة، مقسمة على عدد من المراحل، منها ما أصبح جاهزًا لاستقبال أهالي المحافظة، ومنها ما هو قيد العمل.
ويتحدث المهندس محمود ترابيس، أحد القائمين على المشروع، قائلا إن مشروع مدينة رفح الجديدة مقسمة إلى 626 عمارة بواقع 10016 وحدة سكنية، بمساحة 120 مترا للوحدة، إضافة إلى 400 منزل بدوي، بالإضافة إلى المناطق الخدمية داخل المدينة، شاملة دور العبادة والمدارس، علاوة على حضانات الأطفال، لتصبح المدينة جاهزة لاستقبال السكان دون أن ينقصها شيء.
ومن داخل المشروع، عمال ومهندسون من ربوع مصر قرروا المجيء إلى هنا.. رفح الجديدة للمشاركة في عمران جزء غالٍ من أرض مصر، علاوة على مشاركة قوية من أهالي مدينة العريش، خاصة من المهندسين والعمال، الذين وجدوا في العمل في مدينة رفح الجديدة، نوعًا من رد الجميل، وعرفانًا منهم بجميل هذا البلد وتعبيرًا عن إخلاصهم لها – خاصة في هذا التوقيت - على حد قول المهندس أحمد ماهر، أحد العاملين بالموقع هناك.
ويقول ماهر: العمل هنا له طابع خاص جدًا، فأنت تعمل في بلدك التي تفتح مسارًا جديدًا للحياة، لا نبني هنا مجرد عمارات أو بيوت بدوية، ولكنني أبني بيوتًا لأهلي من سكان رفح، فأنا من العريش ومقيم بالعريش، وأعرف جيدًا قيمة أن يكون لدى ابن مدينة رفح سكن بمستوى جيد على أرضه، دون أن يضطر إلى السفر للقاهرة أو الإسكندرية.
ويتابع المهندس محمود شعبان: كل فرد داخل الموقع يعمل بكل الحب والضمير والطاقة في آن واحد.. خاصة أن المغتربين من العاملين أو حتى من أبناء المحافظة يشعرون بقيمة كل دقيقة عمل، خاصة بعد أن سمعنا عن تهديدات بعض العناصر التكفيرية للعاملين بالموقع، ولكن الأمر مع الوقت تحول إلى نكتة نقولها في السكن وقت العشاء، وأذكر مرة قلت لزميلي "قوم هاتلي مية قبل ما ينفذوا التهديد" فقالي: "يبقى كدا هتصوم عن المياه بقية عمرك" وظللنا نضحك لمدة يومين على هذه الكلمات.
وعلى مسافة ليست بالبعيدة من رفح الجديدة، تجد قرى مدينة العريش، والتي تحمل تراث تلك المحافظة، سواء من ناحية المظهر أو المأكولات أو حتى ارتباط القبائل والعشائر بالأرض، فرغم اضطرار عدد كبير من الأهالي إلى مغادرة بيته وقريته، خوفًا مما قد يحدث أثناء الحرب على الإرهاب إبان العملية الشاملة عام 2018، خاصة مع فقدان الأسر لشبابهم وأبنائهم ممن ضحوا بأنفسهم أو قرر الإرهابيون قتلهم لإرهاب الأهالي أو انتقامًا منهم لمجرد دعهم أبناء وطنهم من أبناء القوات المسلحة.
في البداية، يقول الشيخ حماد محمد، من أهالي قرية أبو العراج، إن العودة إلى القرية بعد الأمن والأمان الكائن الآن أمر لا يمكن وصف الفرحة به، حتى وإن كانت القرية الآن غير التي تركناها منذ سنوات، إلا أن شعورنا بالحركة بين طرقات القرية دون خوف أو ريبة يعني الكثير.
ويتابع: اضطررنا إلى ترك بيوتنا لإتاحة الفرصة للقوات المسلحة لشن الهجوم على الإرهابيين، خاصة أنهم يأبون اقتحام أو ضرب القرية - حتى مع وجود الإرهابيين - مع علمهم أن سكان القرية خاصة من السيدات والأطفال موجودون بداخلها، وهو ما دفعنا للقرار الأصعب وهو ترك بيوتنا، فمنا من ذهب إلى الإسماعيلية أو العريش وآخرون إلى القاهرة، ولكن نحمد الله على عودتنا، ونحن الآن نرمم ونعيد هيكلة القرية بمعاونة القوات المسلحة.
ويؤكد الشيخ عطية سليم إسماعيل، من أبناء قرية نجع شبانة، أن العودة إلى القرية رغم أنها الآن بلا منزله الذي عاش فيه طوال 80 عامًا، ومزارع الزيتون التي يزرعها بمساعدة أبنائه وأحفاده، يظل له طعم حلو على جوارحه، مشيرًا إلى أن "الجنة حلوة حتى لو متعرفش شكلها.. وبلدنا حلوة حتى لو اتغير شكلها".