علي جمعة: سيرة رسول الله أرضٌ خصبة للتأمل وأسوة في معالجة الأمور
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن سيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تمثل لنا أرضا خصبة للتأمل وأخذ الأسوة في معالجة الأمور وإدارة جميع ما يعن لنا من مصاعب وخطوب.
طريقة الرسول في إدارة الأزمات فريدة
وأضاف علي جمعة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: فقد كانت له عليه السلام طريقة فريدة في إدارة الأزمات وفق حكمة سديدة، فقد كان عليه السلام بفطنته ينهي منازع الخلاف بشكل قاطع، مع حماية المجتمع الإسلامي من آثار الأزمة، بل يعمل على الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة في الإصلاح والتطوير، واتخاذ إجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أو حدوث أزمات مشابهة لها.
وتابع علي جمعة: وإنك لتري آثار هذه الحكمة في تلك المعالجات في السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها فمن ذلك أنه قبل البعثة أعادت قريش بناء الكعبة علي أساس قواعد إبراهيم عليه السلام حتى بلغ البنيان موضع الركن فأرادت كل قبيلة أن ترفع الحجر الأسود إلى موضعه دون الأخرى، فاختصموا وأوشكوا على الاقتتال، ولما أخبروا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخبر، قال: هلم إلي ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا موضعه وضعه هو بيده الشريفة ثم بنى عليه (سيرة ابن هشام 1/182).
وأردف: بهذا التفكير السليم والرأي الصائب حسم- صلى الله عليه وسلم- الخلاف بين قبائل مكة، وأرضاها جميعا، وجنَّب بلده وقومه حربا ضروسا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها.
وأكمل علي جمعة: وبعد بعثته صلى الله عليه وسلم، واجه المسلمون الكثير من الأزمات المختلفة الأشكال، بين تعذيب لكل من أسلم، وحصار في شعب أبي طالب، ثم بعد الهجرة أخذت المواجهات بين المسلمين والكفار اتجاها أشد ضراوة من مثل ما صوره القرآن في واقعة الأحزاب، قال تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).
واستطرد: وعندما عرف أعداء الإسلام بعد الحروب الطويلة مع المسلمين أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح، قرروا أن يشنوا حربا دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية، وذلك من خلال المنافقين من سكان المدينة، فكانوا يستفزون المسلمين ويمارسون حربا نفسية معهم، حتى طالت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فيما كذبوا عليه في حادثة الإفك.
واختتم: ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم استطاع الإمساك بزمام هذه الصعاب والوصول بالمسلمين إلى بر الأمان بحكمته وإدارته الواعية لتلك الشدائد، من حيث إدراك الواقع على ما هو عليه، والحكمة في معالجة الأمور، واعتبار المقاصد والمآلات، والاستفادة من الأزمة لما بعدها، والعمل على عدم تكرارها، وكسب أرض جديدة منها، حتى تكون المحنة منحة.