حكايتي مع صلاح منتصر
كنت طالبًا في الثانوية العامة يطمح مثل الكثير من أقرانه لتحقيق ذاته، واستشعار رجولته الحقيقية في هذه السن المفصلية الخَطِرة من حياتنا، يريد أن يستشعر لذة سحب النَفَس من السيجارة، ويملأ ناظريه بدوامات الدخان تتلوى بين شفتيه وفتحتي أنفه، ليثمل بالخدر الجميل الذي يجري في الأوصال على أثر ذلك.
ترددت كثيرًا وتأخرت كثيرًا عن أقراني في الاتجاه إلى التدخين وكنت أحتقر ذاتي وأراها ينقصها شيء وعاجزة عنه، أحسبني لا أستطيع اتخاذ القرار بالاتجاه للتدخين رغم توافر العامل المادي.
في الوقت الذي كنت فيه قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ القرار بالتدخين فعليًّا، شاء القدر في هذا التوقيت أن أقرأ مقال أنت سيد قرارك للكاتب الكبير صلاح منتصر أحد أعمدة الصحافة المصرية الراسخة، وأحد أهم كُتاب المقال الصحفي في مصر والعالم العربي وأحد أهم الكتاب في جريدة الأهرام.
نعم، تغير الأمر تمامًا فاكتشفت أني أنا الحر بينما أقراني هم المساجين للسيجارة، وهم العبيد وأنا السيد، انقلب كل شيء، وبدلا من التدخين قررت اجتناب التدخين والابتعاد عنه مدى الحياة، لقد زلزلتني حقا كلماته في المقال: أنت سيد قرارك.. فبكلمة منك تستطيع أن تخرج من هذا السجن اللعين الذي أصبحت فيه عبدا للسيجارة، وحقلا خصبا لكل الكوارث والمصائب التي تفعلها في صدرك وقلبك وضغطك ومفاصلك وأعصابك.
وتوقفت كثيرا- متأملا نفسي المدخنة في الشباب أو بعد أن اكتهلت وأصبح لي أبناء أطفال- مع قول صلاح منتصر: أنت في حاجة إلى أن تكره السيجارة بأن تنظر إلى أصابعك إذا لم تغسلها من آثار النيكوتين، وأن تتصور منظر رئتيك، وأن تحاول أن تجري مائة متر فقط وتسأل نفسك: هل يمكن لشاب في مثل سنك ألا يستطيع ذلك؟ وأن تستعيد شريط كل الذين عرفتهم وكانوا يدخنون، وكيف رأيتهم بعد ذلك في أسرة المرض؟.. فإذا لم يكن من أجلك، فليكن من أجل أولادك، وإذا لم يكن من أجل صحتك؛ فمن أجل أموالك، ابدأ معنا وامتنع عن السيجارة من بعد غد، اكتب شهادة ميلاد جديدة لحياة جديدة عنوانها: الصحة والنظافة والجمال.
نعم استطاع صلاح منتصر من خلال مقاله أنت سيد قرارك أن يناقش واحدة من أسوأ الظواهر السلبية في العالم وهي ظاهرة التدخين، وجاء تناول صلاح منتصر تناولا سلسا سهلا يصل إلى قلوب الطلاب، ويلعب دورا مهما في تشكيل وعيهم بخطورة هذه الظاهرة من خلال مخاطبة وجدانهم بشكل مباشر ووضعهم أمام المسؤولية عن قرارهم تجاه هذه الظاهرة، من خلال العبارة المفتاحية السحرية أنت سيد قرارك.
يضع المقال كل مدخن أمام مسؤوليته عن صحته التي بكلمة واحدة يستطيع أن يحافظ عليها فقط إذا توفرت له العزيمة والتصميم وقوة الإرادة، فالأمر صعب نعم لكنه ليس مستحيلا، وزاد من اقتناعي بالأمر تلك الطريقة الجميلة التي شرح بها أستاذ اللغة العربية هذا المقال الجميل، وقد قرن الأستاذ شرحه بإبداء ندمه هو شخصيًا لأنه مُدخِّن، متمنيًا أن يأتي عليه اليوم الذي يتخذ فيه القرار ويهجر التدخين.
خيرًا فعلت وزارة التريبة والتعليم عندما اختارت مقال أنت سيد قرارك للأستاذ صلاح منتصر لتدريسه للطلاب ضمن مقررها الدراسي، ولا أعرف إذا كان ما زال مقررًا ضمن مناهج التعليم أم لا، لكن في حال تم حذفه يكون طلابنا خسروا واحدة من ركائز تشكيل وعيهم في مكافحة عادة التدخين القاتلة.