كلمات ليست كالكلمات

إيه اللي ممكن يخّلي طفلة عندها 6 سنين تروح لـ دكتور نفسي عشان عندها اكتئاب، هو أساسًا الإكتئاب ينفع ييجي لأطفال صغيرة في السن ده؟ الحقيقة إن كلنا معرضين للإصابة بالاكتئاب في أى لحظة بسبب وبدون؛ بس إيه اللي الطفلة دي بالذات شافته يعني عشان يجيلها، أسئلة كتير نطت في بال جانيت السيدة اللي عندها 50 سنة وهي قاعدة منتظرة دورها عند الدكتور النفسي اللي كانت رايحاله وبتبص لـ طفلة قاعدة مع أمها منتظرة دورها هي كمان.

 جانيت لاحظت إن مليون%، البنت هي اللي هتكشف مش أمها لإن الأم كانت متزنة، وكل شوية تطبطب على بنتها وتحاول تحايلها لكن البنت ماكنتش بتستجيب وكإنها في وادي تاني، بنوتة رقيقة وحلوة عاملة شعرها الدهبي ديل حصان، ولابسة فستان أبيض قصير، وفي إيدها عروسة قطن لعبة بتحركها، لكن بحركات إعتيادية بدون بهجة في عينها. 

 كان المشهد ملفت وقدر إنه يخلّي، جانيت تتنهد وتنسى مشكلتها وتتلهي شوية عن اللي كانت رايحة بسببه ولو للحظات من منطلق (اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته)،  لكن لما قرب دورها افتكرت سبب زيارتها هي كمان للدكتور، ابنها الوحيد مات من شهور قريبة وجوزها سابها واتجوز عليها بعد عِشرة 30 سنة. 
إصابة الأطفال بالاكتئاب 

أدوية الاكتئاب تقلل من خطر الإصابة بالخرف لكبار السن | دراسة

الاكتئاب مفتاح الحصول على الفوائد الصحية من التمارين الرياضية | دراسة

 جانيت ماكانتش بتعرف تعمل أي حاجة في دنيتها، هي إنسانة كانت واهبة حياتها لـ جوزها وإبنها اللي مات، وأهو الواد مات والزوج طلع عيل ومشي، في أكتر وقت كانت محتاجاه فيه، كان ممكن الموضوع يتوقف عند حدود جرح حصل، وياخد وقته ويروح؛ بس جزء مهم من عمق الجرح كان إن جانيت،  بقت وحيدة أكتر من أى وقت فات،  وحيدة إنسانيًا ونفسيًا، للأسف جوزها كان بيحدد شكل علاقاتها بكل الناس ووجهة نظره في الناس كانت بالنسبة لها مسلم بيها بدون مناقشة، خلّي بالك من بنت خالتك فلانة عشان مش كويسة، جارنا الفلاني ده بخيل عايزين نقلل إحتكاكنا بيه وياريت لو مايبقاش فيه من أصله،  محدش يدخل بيتنا ولا إحنا ندخل بيت حد، دي مجنونة، ده حاقد، دي كذابة. 

 وهكذا، حاجز نفسي كبير بقى بين جانيت وبين أغلب الناس اللي حواليها، بالتالي لما جوزها مشى بقت لوحدها حرفيًا، صيد مفيش أسهل من كده للاكتئاب جه دورها ودخلت للدكتور اللي استقبلها بابتسامة ودودة وبمجرد سؤالين تلاتة ولما بدأت الإجابات والحكايات تخرج من بُوقها؛ جانيت انفجرت في البُكا وكإنها كانت بتتلكك. 
كان أغلب كلامها ماشي في سكة إنها غبية وإن حياتها انتهت وإن مفيش أمل عندها ولا طاقة تعمل أي حاجة وإن الموت هو النهاية العادلة لواحدة زيها كانت بتنجح في الفشل بإمتياز، الدكتور سمعها للآخر بدون مقاطعة، وهي أنهت كلامها بطلب منه إنه يديها دواء، أى دواء يخليها تعرف تتعايش مع المرض النفسي اللي عندها لحد ما ييجي أجل ربنا، الدكتور إدى جانيت، حقنة مهدئة وطلب من الممرضة إنها تخليها تدخل أوضة صغيرة ملحقة بالعيادة عشان تهدى وممكن تنام شوية تحت تأثير الحقنة لغاية ما يخلص باقي الكشوفات للناس ويقابلها تاني.

 دخلت اللي بعدها في الدور "ريتا" البنوتة الصغيرة، اتكلمت والدكتور بيسمع وأمها ساكتة، سبب اكتئابها إن الكلبة بتاعتها ماتت مسمومة، بس كده؟، آه آه ما هو الإكتئاب مش بينقي سبب مهم بالنسبالك عشان يصيب غيرك، ممكن التافه في وجهة نظرك؛ الحياة تقف لغيرك عليه.

 البنت وهي بتحكي وبتفتكر ذكرياتها مع الكلب بكت، الدكتور حاول يهديها وطلب من أم ريتا تاخدها بره شوية برضه لحد ما يخلص باقي الكشوفات، خلص كشف على كل الناس اللي باقية ورجع جاب "جانيت" و"ريتا" مع بعض هما الإثنين، بمراجعة بياناتهم اتضح له إنهم عايشين في شارعين قريبين من بعض، حلو ده، هنا قرر إنه يلعب لعبة معاهم.

قال لـ جانيت علاجك هوريتا، وقال لـ ريتا علاجك هو جانيت، ولما الإثنين ماستوعبوش قصده؛ طلب من جانيت كل يوم تروح عند بيت ريتا، وتقابلها، وطلب من ريتا كل يوم تكتب ورقة فيها كلمة واحدة بس لأكتر حاجة هي بتحبها ونفسها تعملها بس بسبب زعلها على كلبها مش قادرة تعملها وتديها لـ جانيت لما تجيلها.

 وقال لـ جانيت وإنتي تنفذي اللي تشوفيه مكتوب في الورقة دي بدون مناقشة، وخلّي الإثنين يحلفوا إنهم يعملوا كده بدون كسل لمدة أسبوع!.. كل يوم ورقة جديدة وحركة جديدة تتنفذ فورًا.. دماغك لفت مش كده؟.. دماغهم هما كمان لفت وجايز هو ده اللي كان يقصده الدكتور أساسًا من الحوار كله. 

 تاني يوم جانيت راحت عند بيت  ريتا، اللي خرجت وإدتها ورقة متطبقة صغيرة ومشيت، جانيت أخدتها وفتحتها ولقت فيها كلمة واحدة،  أُرقص، أرقص إزاى إيه الهبل ده،  بس إحنا بينا اتفاق وأنا حلفت،  حطت الورقة في جيبها وروحت البيت وقررت تنفذ،  حطت سماعات الـ mp3 في ودانها ورقصت،  وهي بتغسل المواعين،  وهي بتعمل الغدا،  وهي ماسكة في إيدها كتاب بتقراه، وهي بتكلم صاحبتها اللي كان بقالها كتير ماكلمتهاش في التليفون، حتى صاحبتها وهي بتكلمها لاحظت إن صوتها بينهج فقالتلها لأ عادي مفيش داعي للقلق أصل أنا برقص وإحنا بنتكلم،  الموضوع عمل لها بهجة ظهرت على وشها وهي رايحة تاني يوم عشان تقابل ريتا سألتها: (هل نفذتي تحدي الأمس؟)،  جانيت، حكت لها وبدأت مشاعر البهجة تتنقل لـ "ريتا" اللي قالت: (هل أنتي جاهزة لـ تحدي اليوم؟).. ردت "جانيت" نعم.. "ريتا" إدتها ورقة صغيرة متطبقة برضه مكتوب فيها كلمة واحدة.. "قُبلة".. قبلة إيه!.. أنا همشي أبوس الناس في الشارع يعني وأنا في السن ده!.. أهو إبتدينا نعيل بقى.. ممممم بس إحنا بينا إتفاق وأنا حلفت أنفذ. 

 حطت الورقة في جيبها وقررت تنفذ.. بدأت تشوف مين الناس اللي كان جوزها بعدها عنهم وحصل بينها وبينهم تواصل.. راحت زارت صديقة طفولتها بنت خالتها واكتشفت إنها لطيفة مش زى ما كان جوزها بيخوفها.. وأول حاجة عملتها إنها باستها لما شافتها.. وباست ولادها.. كانت بتبوس كل اللى بتقابلهم من أفراد أسرتها.. وكل ما بتبوس حد منهم بيتقابل ده منهم في البداية بإستغراب ثم بإبتسام ثم بـ جبل جليد ضخم من المشاعر بيدوب وبتبدأ الحكايات الحلوة.. لسه اليوم باقي فيه كام ساعة.. خلصت وراحت طلعت على بيت جارها وخدت معاها كيكة شيكولاتة سخنة عاملاها بنفسها وإدتهالوا هو ومراته.. وأول حاجة عملتها وهي بتتعرف عليهم إنها باستهم وكانت قعدة في منتهى الجمال.

 اكتشفت في نهاية اليوم إن جزء من اللي كان جوزها بيعمله معاها رغبته في السيطرة عليها وإن مايخليهاش تشوف غيره محور للكون عشان كده كان بيخليها في دايرته هو بس.. عجبتها اللعبة وحماسها لليوم الثالث بقى أكبر وأكبر وبدأت تدريجيًا ترجع لـ سن الـ 20.. في اليوم الثالث قابلت "ريتا" اللي كانت منتظرة في شغف برضه عشان تعرف إيه اللي حصل إمبارح فحكت لها.. كلمة اليوم الثالث؟.. "اضحك ".. مشيت "جانيت" بعد ما عصرت ذاكرتها تقول نكت تسخسخ من الضحك لكل اللي بتقابلهم سواء في التليفون أو في الشارع أو في السوبر ماركت وهي بتشترى حاجات.. اليوم اللي بعده.. "افرح".. ممممم اتصلت بكل أصدقائها وأسرتها وعزمتهم بكل أولادهم إنهم يقضوا عندها اليوم في بيتها.. اليوم الرابع "تذكر".. راحت زارت قبر ابنها وحطت ورد على قبره وقبور كل اللي الناس اللي حواليه.. وهكذا.. "جانيت" تنبسط.

 فتحكي و"ريتا " تسمع.. فتنبسط.. فتكتب ورقة جديدة وتديهالها.. يوم جر يوم جر يوم واللعبة عجبتهم لدرجة إنهم عملوها لمدة 20 يوم مش أسبوع واحد بس..والنتيجة؟.. لما زاروا دكتور "آلان" في عيادته زاروها كأشخاص مختلفين تمامًا عن اللي كانوا عنده من 3 أسابيع.. إتنين.. واحدة في منتصف عمرها والتانية في بدايته لكن أصدقاء ماتحسش بفرق بينهم.. من ضمن أهم النتايج كمان إن "جانيت" ألفت كتاب هي و"ريتا" سموه: (هدايا من كلمات) كان له دور في تكرار اللي حصل معاهم لكن مع ألوف البشر.

رغم إن أغلبنا عندهم مشاكل نفسية باختلاف تدرجاتها وأسبابها ورغم أهمية المرض النفسي بس برضه لسه أغلبنا بيعتبروا المرواح لطبيب نفسي عيب أو حاجة تنتقص من كرامة وعقل الشخص!.. خوف الناس إنهم ياخدوا خطوة الكشف عند طبيب نفسي سببها يا إما غلو سعر الكشف يا إما الخجل من الحكي يا إما عدم الثقة إنه هيلاقي حل عند غيره!.. بحسب إحصائية منظمة الصحة العالمية عندنا ٨٠٠ ألف واحد في العالم بينتحروا في السنة.. يعني كل ٤٠ ثانية فيه واحد بيقرر ينهي حياته

 والسبب؟.. واحد من ٣ أسباب: يا إما مش لاقي حد يسمعه.. يا إما بسبب صدمة قاسية مفاجأة مر بيها.. يا إما إكتئاب تراكمي اتكون على مراحل.. الموضوع ملوش علاقة بقلة إيمان أو ضعف أخلاق أو هشاشة قلب.. المرض النفسي زيه زي أي مرض تاني ممكن يتلحق لو تم التعامل معاه صح وبدون تهاون.. وممكن لو اتطنش يجيب آثار أقلها الإكتئاب.. لو أجر الطبيب غالي فيه مستشفيات حكومية بتتيح العلاج والكشف النفسي بأسعار رمزية.. فيه كمان مواقع على النت عربية وأجنبية فيهم مجموعة أطباء نفسيين أون لاين وكل واحد له تقييمه وسعره وانت بتختار ما بينهم حسب اللي يناسب إمكانياتك وبتختار تتكلم معاه شات كتابة ولا صوت ولا فيديو.. ولو كل ده غير متاح بالنسبة لك برضه؟.. ماتبقاش لوحدك، وماتسيبش اللي يهموك لوحدهم.. ماتكتمش جواك واتكلم، وخلّي عندك استعداد تسمع لما حد ييجي يرمي في حجرك تركة الحكي اللي طابقة فوق روحه.. عالم الطب النفسي "سيجموند فرويد" قال: (الاكتئاب ليس علامة ضعف، بل هو إشارة إلى محاولتك أن تكون قويًا لفترة طويلة جدا.