صاحبة الجلالة تنزف دمًا
إنّ قدرة الصحافة على طباعة القصص الحقيقية، دون أن تحاول الحكومة حملهم على خيانة مصادرهم، أمر أساسي للصحافة الحرة، مثل الحبر المطبوع بها، بخلاف ذلك، من سيحاسب المسيطرون عليها ويتولون المناصب بها!
فمساعدة الناس على رؤية الحقائق من خلال كشفها تُعتبر هدفًا ساميًا من أهداف مهنة المتاعب، والبعد عن الحقيقة وتغيب عقول الناس بالأخبار التافهة وتضليلهم جريمة في حق المهنة والوطن والتاريخ.
البعد عن الأخبار السياسية الداخلية أدى لفراغ كبير فتم احتلالها على حساب أعراض المواطنين وإخبارهم داخل غرف نومهم وما زاد الطين بله "اللايفات" البث المباشر التي تخرج على المواقع الإلكترونية ودخول بيوت الناس دون احم ولا دستور، كما يقال فى المثل الشعبي، وإرسال متدربين واضح أنهم تحت التمرين غير مدربين على الحديث والحوار وتجد الغالبية منهم لا تعرف تحاور أو تسأل ومع احترامي لهم تشعر أن الجهل يخرج من أسئلتهم التافهة ولا أريد أن أتحدث عن نماذج بعينها رغم كثرتهم.
كل هذا وغيره مثل خنق المناخ العام للحريات أدى إلى أن صاحبة الجلالة تنزف دمًا وكثير من الصحفيين تنزف ألما؛ بسبب انزلاق الجرائد والمواقع الإلكترونية لهذا المستنقع من الأخبار التافهة واللهث خلف التريند والترافيك والزيارات الحرام؛ فأصبح المواطن لا يحترم الصحافة ولا يرضى عنها والسلطة أيضًا لا تشييد بها يعني لا احترام للقارئ تحقق ولا السلطة أصبحت راضية عن ما ينشر، كنا في عهود سابقة، الجرائد القومية من ضمن وظيفتها تجميل وجه النظام والحكومة والجرائد الحزبية والمستقلة تنتقد وتهاجم وتكشف المستور والمسكوت عنه فكان يحدث توازن في المجتمع، وعلى القارئ أن ينحاز لهذا أو تلك، أما الأن فتجد المواطن يقول لك كلها عناوين واحدة وعزفنا عن شراؤها لعدة أسباب أهمها عدم التنوع والبعد عن مشاكل المواطن، والمواقع الإلكترونية والسوشيال ميديا أصبحت أسرع في نقل الأخبار ولكن أوقات كثيرة تكون على حساب المصداقية.
في كتاب نقطة غليان للعالم الجليل الدكتور مصطفى محمود قال: هذا شأن العالم دائما من خمسة آلاف سنة، كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب والصحفي والطبال يكسب أكثر من الخباز والنجار والحداد ولو أنك دعوت العالم الكبير اينشتين اليوم لندوة علمية، ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي، ترك الجمهور أينشتين وعلمه ولتجمعوا حول المرأة العارية بالآلاف وهذا ليس ذنبنا، وإنما سببه أن أكثر الناس من البهم ومن أهل الهوى ومن عبيد الشهوات وهم لذلك يشجعون التافه من الأمور وينصرفون عن الجاد.. إلى هنا انتهى كلام عالمنا الجليل.
لذلك علينا أن نرتقي بالذوق العام للمواطن ولا ننساق خلف التريند وهوس الشهرة لبعض النكراء في المجتمع، ويتم صناعة نجوم منهم بحجة نزول أخبار وعمل التراجت بعدد أخبار معين، لعنة الله على من ابتدع المرتب مقابل عدد من الأخبار وكشف إنتاج فلا مرتباتهم فيها بركة ولا يصنعون مجدًا صحفيًا؛ لأن كثير منهم على حساب وسمعة ناس كل ذنبهم أنهم يعيشون فى عصر يلهث خلف التريند وعدد المشاهدات التي تتحول إلى دولارات ولكنها فى حكم المحرمة لأن الله أمرنا بالستر وليس فضحهم بهذا الشكل المخجل.
ومن يردد أن تلك الفيديوهات العبثية تحقق نسبة مشاهدات فمردود عليه بأن أفلام البرونو تحقق ملايين المشاهدات لكن السؤال هل يحترمها المشاهد؟! إذا ليس المقياس عدد المشاهدات لأن اللغة أصبحت بأن الفيديو محقق مشاهدة عالية بغض النظر عن المضمون والمحتوى، هل هذا يعقل بالذمة يا من ترددون هذا الكلام؟ إنكم تصنعون بتلك الأخبار التي تحرك الغرائز والفيديوهات الهايفة سيئات جارية ونجاح زائف وعندما تذهب للحساب فلا المنصب هينفعك ولا الفلوس هتشفع لك إلا من أتى الله بقلب سليم، استقيموا يرحمكم الله.